وقال ابن القيم رحمه الله: فأحكام الرب تعالى جارية على ما يظهر للعباد ما لم يقم دليل على أن ما أظهروه خلاف ما أبطنوه.
وأما قصة الملاعن فالنبي - صلى الله عليه وسلم - إنما قال بعد أن ولدت الغلام على شبه الذي رميت به (لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن) ، فهذا والله أعلم إنما أراد به لولا حكم الله بينهما باللعان لكان شبه الولد بمن رميت به يقتضي حكما آخر غيره، ولكن حكم الله باللعان ألغى حكم هذا الشبه.
فإنهما دليلان وأحدهما أقوى من الآخر فكان العمل به واجبا، وهذا كما لو تعارض دليل الفراش، ودليل الشبه، فإنا نُعمل دليل الفراش، ولا نلتفت إلى الشبه بالنص والإجماع. اهـ [1] .
قلت: وهذا الذي ذكره ابن القيم رحمه الله تعالى يدخل في مسألة العمل عند تعارض الظواهر، كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى في المسألة الرابعة من هذا الباب.
وقال القاضي عياض في الحديث عن المنافقين: وبقي عليهم حكم الإسلام بإظهار شهادة اللسان في أحكام الدنيا المتعلقة بالأئمة وحكام المسلمين الذين أحكامهم على الظواهر بما أظهروه من علامة الإسلام، إذ لم يجعل للبشر سبيل على السرائر، ولا أمروا بالبحث عنها، بل نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن التحكم عليها، وذم ذلك وقال: (هلا شققت عن قلبه) . اهـ [2] .
قال القرطبي رحمه الله في حديثه عن قصة أسامة بن زيد: وفي هذا من الفقه باب عظيم، وهو أن الأحكام تُناط بالمظان والظواهر لا على القطع وإطلاع السرائر.
وقال أيضا في تفسير قوله تعالى {اتخذوا أيمانهم جنة} : فبين الله أن حالهم لا يخفى عليه، ولكن حكمه أن من أظهر الإيمان أجري عليه في الظاهر حكم الإيمان. اهـ [3] .
(1) إعلام الموقعين لابن القيم ج 3/ 138 ـ 139.
(2) الشفا للقاضي عياض بشرح ملا علي القاري ج 2/ 7.
(3) تفسير القرطبي ج 5/ 338 ـ 339، انظر ج 18/ 124.