وعلى هذا ما ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في تسميته كثيرا من الذنوب كفرا، مع أن صاحبها قد يكون معه أكثر من مثقال ذرة من إيمان، فلا يخلد في النار، كقوله - صلى الله عليه وسلم - (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر) [1] ، وقوله - صلى الله عليه وسلم - (لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض) [2] ، وهذا مستفيض عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصحيح من غير وجه، فإنه أمر في حجة الوداع أن يُنادى في الناس [3] .

فقد سمى من يضرب بعضهم رقاب بعض بلا حق كفارا، وسمى هذا الفعل كفرا، ومع هذا فقد قال تعالى {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما} إلى قوله تعالى {إنما المؤمنون إخوة} ، فبين أن هؤلاء لم يخرجوا من الإيمان بالكلية، ولكن فيهم ما هو كفر وهي هذه الخصلة، كما قال بعض الصحابة كفر دون كفر.

وكذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - (من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما) ، فقد سماه أخاه حين القول وقد أخبر أن أحدهما باء بها، فلو خرج أحدهما عن الإسلام بالكلية لم يكن أخاه بل فيه كفر اهـ [4]

وقال أيضا رحمه الله: وتمام هذا أن الإنسان قد يكون فيه شعبة من الإيمان وشعبة من شعب النفاق، وقد يكون مسلما وفيه كفر دون الكفر الذي ينقل عن الإسلام

(1) رواه البخاري ومسلم وأحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة عن ابن مسعود رضي الله عنه.

(2) رواه البخاري ومسلم وأحمد والنسائي وابن ماجة عن جرير بن عبد الله، والبخاري والنسائي عن أبي بكرة، والبخاري والترمذي عن ابن عباس، والبخاري وأحمد وأبو داود والنسائي عن ابن عمر رضي الله عنهم أجمعين.

(3) مسألة قتل المسلم لا يصح فيها الإطلاق بأنها غير مكفرة على العموم بل الصحيح فيها التفصيل، فمن قتل المسلم بسبب دينه وعليه فهو كافر بل هو شر من الكافر المحارب، هذا بخلاف ما إذا قتله لعداوة أو أمر من امور الدنيا فإنه لا يكفر بذلك عند أهل السنة والجماعة، ولذلك قال = =ابن تيمية نفسه رحمه الله وقد سُئل عمن يتعمد قتل المسلم بسبب دينه فأجاب: أما إذا قتله على دين الإسلام مثل ما يقاتل النصراني المسلمين على دينهم، فهذا كافر شر من الكافر المعاهد، فإن هذا كافر محارب بمنزلة الكفار الذين يقاتلون النبي ص وأصحابه، وهؤلاء مخلدون في جهنم كتخليد غيرهم من الكفار، وأما إذا قتله قتلا محرما لعداوة أو مال أو خصومة ونحو ذلك؛ فهذا من الكبائر ولا يكفر بمجرد ذلك عند أهل السنة والجماعة، وإنما يُكفِّر بمثل هذا الخوارج. انتهى كلام شيخ الإسلام وسيأتي بيان ذلك في الكلام على مسالة الموالاة وكلام أهل العلم فيها.

(4) مجموع الفتاوى، ج 7/ 353: 356. باختصار.