فهرس الكتاب
الصفحة 99 من 393

فهذه الأحاديث السابقة وغيرها تدل على أنه يجوز أن يجتمع في العبد طاعة ومعصية، وإسلام وجاهلية، ولا يكفر بذلك إلا أن تكون المعصية مخرجة من ملة الإسلام كما سيأتي بيانه إن شاء الله.

قال ابن تيمية رحمه الله: وطوائف من أهل الأهواء من الخوارج والمعتزلة والجهمية والمرجئة - كراميهم وغير كراميهم - يقولون إنه لا يجتمع في العبد إيمان ونفاق، ومنهم من يدعي الإجماع على ذلك.

وقد ذكر أبو الحسن يعني الأشعري في بعض كتبه الإجماع على ذلك، ومن هنا غلطوا فيه، وخالفوا فيه الكتاب والسنة وآثار الصحابة والتابعين لهم بإحسان مع مخالفة صريح المعقول.

بل الخوارج والمعتزلة طردوا هذا الأصل الفاسد وقالوا: لا يجتمع في الشخص الواحد طاعة يستحق بها الثواب ومعصية يستحق بها العقاب، ولا يكون الشخص الواحد محمودا من وجه مذموما من وجه، ولا محبوبا مدعُوا له من وجه مسخوطا ملعونا من وجه، ولا يُتصور أن الشخص الواحد يدخل الجنة والنار جميعا عندهم، بل من دخل إحداهما لم يدخل الأخرى عندهم، ولهذا أنكروا خروج أحد من النار أو الشفاعة في أحد من أهل النار.

وحُكي عن غالية المرجئة أنهم وافقوهم على هذا الأصل، لكن هؤلاء قالوا: إن أهل الكبائر يدخلون الجنة ولا يدخلون النار مقابلة لأولئك.

وأما أهل السنة والجماعة والصحابة والتابعون لهم بإحسان وسائر طوائف المسلمين يقولون: إن الشخص الواحد قد يعذبه الله بالنار، ثم يدخله الجنة كما نطقت بذلك الأحاديث الصحيحة، وهذا الشخص له سيئات عُذب بها، وله حسنات دخل بها الجنة، وله معصية استحق بها النار، وطاعة استحق بها الجنة، فإن هؤلاء لم يتنازعوا في حكمه، ولكن تنازعوا في اسمه إلى أن قال رحمه الله:

وعلى هذا الأصل فبعض الناس يكون معه شعبة من شعب الكفر ومعه إيمان أيضا،

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام