فهرس الكتاب
الصفحة 6 من 477

اسألوا أرض اليرموك والقادسية، وحطين وعين جالوت، وغيرها من معارك الإسلام، وفتوحات الإسلام.

اسألوا الدنيا كلها.

فإنك لا تكاد تجد أرضاً من أرضي الإسلام إلا وفيها أجساد طاهرة، وأرواح فاضلة! تلك كانت سياحتهم! وذاك الدافع لترحالهم وخروجهم من ديارهم!.

ولم تكن سياحتهم في الجهاد فحسب، بل كان طائفة منهم يسيحون لطلب العلم والسعي فيه، قدوتهم نبي الله موسى عليه السلام، عندما خرج يطلب للقاء الخضر عليه السلام لينتفع من علمه، وينهل من معينه.

فقد رحل جابر بن عبد الله رضي الله عنه مسيرة شهر كامل إلى عبد الله بن أُنيس، وذلك في طلب حديث واحد، يقول جابر رضي الله عنه:"بلغني عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلّم حديثٌ سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلّم فاشتريت بعيراً ثم شددت رحلي، فسرت إليه شهراً حتى قدمت الشام...".

هكذا كان حرص الصحابة على تحصيل السنن النبوية، لقد صارت هذه الرحلات لدى العلماء السابقين جزءاً أصيلاً من حياتهم العلمية، وقد لقي الرّحالون في أسفارهم متاعب ومصاعب، وشدائد لا تحصى، دُوّن بعضها، وذهب بعضها دون تدوين.

لقد سار - على سبيل المثال - محمد بن إدريس الرازي - رحمه الله - على قدميه ألف فرسخ؛ والفرسخ ثلاثة أميال، هذا ما كان يعدّه، ثم ملّ و ترك العد، يقول رحمه الله تعالى:

"أمّا ما كنت سرت أنا من الكوفة إلى بغداد فما أُحصي كم مرة، ومن مكة إلى المدينة مرات كثيرة، وخرجت من البحر من قرب مدينة سلا - وذلك في المغرب الأقصى - إلى مصر ماشياً، ومن مصر إلى الرملة ماشياً، ومن الرملة إلى بيت المقدس، ومن الرملة إلى عسقلان - ومن الرملة إلى طبرية، ومن طبرية إلى دمشق، ومن دمشق إلى حمص، ومن حمص إلى أنطاكية، ومن أنطاكية إلى طرسوس، ثم رجعت من طرسوس إلى حمص، وكان بقي عليّ شيء من حديث أبي اليمان فسمعته، ثم خرجت من حمص إلى بيسان، ومن بيسان إلى الرقة، ومن الرقة ركبت الفرات إلى بغداد، وخرجت إلى الشام من واسط إلى النيل، ومن النيل إلى الكوفة، كل ذلك ماشيا، هذا في سفري الأول وأنا ابن عشرين سنة، أجول سبع سنين".

هكذا كانت تُصرف تلك الطاقات، ما كانوا يفكرون في إنشاء كليات متخصصة!.

أيّها المسلمون:

إنها دعوة لأن يدرك كل مسلم أن لهذه الجزيرة خصوصيتها، حيث إن هذه الجزيرة المباركة تحظى بتوجيه رسول الله رسول الله صلى الله عليه وسلّم بإخراج المشركين منها، وأنه لا يجتمع فيها دينان.

ألا إنها دعوة لتهيئة المصائف والمنتزهات - فعلا - لتكون بديلاً مناسباً ومباحاً عن السياحة الخارجية، وتطهيرها من المهرجانات الغنائية والمشاهد المسرحية والاختلاط ونحوها، والحذر من أن تتخذ الآثار مزارات لإحياء البدع الشركية في البلاد.

ألا إنها دعوة، أن يقوم كل مسلم بدوره في الاحتساب على ما يقع من مخالفات وفق القواعد الشرعية، قبل أن يستفحل الخطر، ويصبح أمراً واقعاً يصعب تغييره، خاصة إذا ما ارتبطت أرزاق الناس به.

أيّها الإخوة:

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام