فإن هناك أمراً هو من الأهمية بمكان، إذ لا يقل عن سابقيه من الممارسات الخاطئة والمفاهيم المغلوطة في ثنايا هذه العطل الصيفية، ألا وهو ذلكم التطواف والتجوال في أنحاء العالم المترامي الأطراف، من خلال السفر إلى بلاد غير المسلمين، أو إلى بلاد تشبهها وإن تسمت بالإسلام أو بما يسمى في العرف المعاصر بلاد السياحة الحرة، ومن المعلوم بداهة أن المرء الجاد الخائف من ربه وولي نعمته ليس لديه متسع من الوقت أو الجهد لينفقه فيما يعود عليه بالوبال والخسران، وعلى العكس من ذلك فإن فئاماً من الناس حرصوا على تضخيم الترويح على النفس والبدن فظنوا بسبب ذلك أنهم مسجونون في بيوتهم وبلدانهم، استصغروا ما كانوا يُكبرون من قبل، واستندَروا ما كانوا يستغزرون، حتى ألفوا مبادئ السياحة بقطع النظر عما يعتريها من الاطلاع على السخف والوقاحة ومشاهدة ما حرم الله ورسوله من كفر وفسق وعري وسكر على ضفاف الأنهار وشواطئ البحار في بلاد الكفار. وأما العاقل من السياح والذي يعرف أن عليه واجبات وفرائض فإنه قد يضعف في أدائها أو يؤديها في تخوف على وجه المسارقة والاستحياء، أو يقيم صلواته وسط أماكن الصخب والعطب فيفقد لذة العبادة والسكينة والطمأنينة التي لا وجود لها وسط تلك الأماكن الملتهبة، ولله كم أحسن أبو حامد الغزالي في وصفه لأمثال بعض السياح بقوله:"وأما السياحة في الأرض على الدوام فمن مشوشات القلب، والبعض قد استخفوا عقولهم وأديانهم من حيث لم يكن قصدهم إلا الرياء والسمعة وانتشار الصيت، فلم يكن لهم حكم نافذ ولا تأديب نافع، فاتخذوا المتنزهات وربما تلقفوا ألفاظاً مزخرفة من أهل الطامات، فينظرون إلى أنفسهم وقد تشبهوا بالقوم في لفظهم وعباداتهم وعاداتهم ومن آداب ظاهرة في سيرتهم، فيظنون بأنفسهم خيراً وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، ويعتقدون أن كل سوداء تمرة، فما أغزر حماقة من لا يميز بين الشحم والورم، فهؤلاء بغضاء الله، فإن الله يبغض الشاب الفارغ، ولم يحملهم على السياحة إلا الشباب والفراغ"انتهى كلامه - رحمه الله -.
وقد نقل ابن مفلح - رحمه الله - عن ابن الجوزي - رحمه الله - قوله:"السياحة في الأرض لا لمقصود كعلم أو دعوة أن نحو ذلك منهي عنه"، وقال الإمام أحمد:"ما السياحة من الإسلام في شيء ولا من فعل النبيين ولا الصالحين لأن السفر يشتت القلب"، وقد سئل مرة ما تقول في السياحة قال:"لا، الترويحُ ولزوم المسجد".
ألا فاتقوا الله معاشر المسلمين، وانظروا في واقعكم اليوم تجاه هذه العطل والإجازات الصيفية، وليكن لكم مواقف جادة في إيجاد الكيفية المناسبة للإفادة منها وحفظ الأوقات فيها، وجعل الحديث عنها لا يقل أهمية عن أي أحاديث أخرى في برامج الناس العامة وظواهرهم المستشرية؛ لأن البيت والمجتمع والإعلام كلهم خاضعون لحدود الله ومتى تجاوزت هذه الحدود يوماً ما فما قدرتَ الله حق قدره.