ولست أقول هذا لأنني شريكاً لابن محفوظ! أو مدحاً في البنك الذي يتعامل في كثير من معاملاته بما لا يرضي الله - تعالى -! ؛ بل أقولها إحقاقاً للحق ولذكر محاسن تنقذ المسلم في أحلك الظروف..
حاولنا بكل وسيلة أن نتصل بشركة الراجحي المصرفية فباءت كل محاولاتنا بالفشل الذريع وعدنا نجرُّ أذيال الخيبة.. نسحب أرجلنا على الأرض سحباً كأننا خرجنا للتو من مستشفى الأمراض العقلية؛ فعدنا إلى (أحبابنا) !! رجال الجمارك.. عدنا إليهم وأخبرناهم بما حدث؛ ولأنهم يتمتعون بحسن ظنٍ يفوق الوصف فقد كذبونا!! وقالوا: امكثوا هنا يوماً أو يومين.. والله لن تتعدوا حتى تدفعوا! تعطل الجهاز أو لم يتعطل!.
رغم أننا رأينا سياراتٍ تُنهى أوراقها بابتسامة عريضة فنكتشف أنها لأناسٍ تجري في عروقهم الدماء المقدسة! ؛ فاقترحنا عليهم اقتراحاً طيباً؛ وهو أن نرسل لهم ما يريدون عبر حوالة بنكية؛ ونعطيهم العهود والمواثيق على ذلك؛ فنحن مسلمون ولا نأكل حراماً؛ وأخبرناهم بوظائفنا الدينية والدنيوية فأبوا أشد الإباء و (لَوَّوْا رُؤُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ) !! فذهبنا أنا وصاحبي نعُدُّ نقودنا في جيوبنا مختلطةً؛بعضها ريالات سعودية وأخرى دراهم إماراتية.. حتى وفت بما طلبوه منا بعد أن كادت ألاَّ تفي؛ولم يبقى معنا إلا مائة وخمسون ريالاً لنقطع بها مسافة (600) كلم! فودعناهم شر وداع وودعونا بمثله ثم انطلقنا وأعينهم ترقبنا يخرج منها الشرر حنقاً وغيظاً!!.
نظرت إلى صاحبي نظر المغشي عليه من الموت ورماني هو بنظرة أخرى فيها كل معاني الذل وازدراء النفس من هذا الموقف الذي غابت فيه معاني لا إله إلا الله محمدٍ رسول الله وكل معاني الأخوة الإسلامية بل وأعراف الناس والرجال الكرماء.. بل وأعراف أناس من أولاد أبينا آدم! يسُمّون بَشَراً!! قال لي بلهجة حزينة بعد أن زفر زفرة كادت تخرج اللهب من جوفه: هون عليك!!
قلت: نعم.. لعل هذا ذنب ارتكبه أحدنا لا يعرفه فكان هذا الاستقبال ثمناً لعدم استغفاره منه!.
تبخَّر ذلك الشوق الذي كان يحدونا وتلك الأمنيات التي كانت تراودنا! ولم نعد نرغب إلا في أن ندس رؤوسنا بين صفحات القرآن الكريم ننهل من آياته العذِاب! لننسى مأساة هذا العذاب؛ وبعدها نسلم أرواحنا إلى منامها!؛ ولم نسلم أيضاً من سوء أخلاق رجال المرور في نقاط التفتيش؛ وعدم مراعاتهم لكل ما شرحناه من مآسٍ؛ وأزعجونا من أجل تعليق لوحة سوداء في مقدمة السيارة؛ فأقسمنا لهم أننا في صحراء قاحلة لا يوجد فيها ورشة؛ فكذبونا كأصحابهم الطيبين من قبل (تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ) .
هذا يا سادة ملخص سياحتي.. فإن كنتم استفدتم منها شيئاً فالحمد لله واشكروني عليها.. وإن كانت الأخرى فسأضيفها إلى قائمة مأساتي في هذه الرحلة!. والسلام عليكم..
* - قلت العشرين تهكماً بمن يمجد التاريخ النصراني ويدعي أن هذا القرن هو قرن الحضارة؛ وأكرمت هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - أن أنسب قرنها الخامس عشر إلى السوء.