فهرس الكتاب
الصفحة 41 من 477

إن هذا التساؤل بحد ذاته يحدد طبيعة الإشكالية وحجمها إلى أبعد الدرجات، فهذه الثغرات العديدة في تكويننا الحضاري والثقافي، وإن كانت صغيرةً وجزئية ومتفرقة عند النظر إليها بشكل منفرد، إلا أنها مجتمعة تمثل شرخا أساسيا خطيرا، لم يسمح في الماضي، ولن يسمح في المستقبل، لكل المخلصين والعاملين مهما خلُصت نياتهم وتطاولت جهودهم، من التجاوز الحقيقي إلى مراحل متقدمة في مسيرة تغيير الإنسان العربي و المسلم المؤملة تمهيداً لتغيير واقعه.. ذلك أن تلك الثغور تمثلُ نَخراً داخلياً عميقا، يُضعف إلى حدٍ بعيد قوةَ تحمُّل الجسم الاجتماعي وقُدرته على حمل أعباء ومتطلبات عملية التغيير البالغة الوطأة والشديدة التأثير.

ولو أن دوائرَ أوسع من أبناء الأمة تُدرك خطورة مثل هذا التصور. ولو أن شرائحَ أعرض تمتلكُ القدرة على ضبطِ موجات الحماس والاستعجال المنتشرة، والقدرة على التخطيط القائم على فقه الواقع وفقه الأولويات، وتنطلق إلى حمل مسؤولياتها عبر ممارسةٍ - فردية وجماعية - واعيةٍ وشاملةٍ لفرض الوقت، لرأينا جسماً اجتماعيا يستردُّ عافيته ومناعته الداخلية شيئاً فشيئا، ويبدأ في استجماع قواه وطاقاته المادية والمعنوية الكامنة، ليكتسبَ عبر الزمان أرضيةً من الصلابة والمتانة والحضور، يُمكنُ البناءُ عليها بثقةٍ وفعاليةٍ في مراحلَ تالية من الأيام التي ما يفتأ الله - برحمته وحكمته - يداولها بين الناس...

وفي مثل هذا السياق تأتي ملاحظةُ صاحبنا الأخيرة مُعبِّرةً لتقول: إن أمةً تعرف قيمة العقل والصحة والمال، وتعرف قيمة النظام والتعاون بدل الفوضى والتنافس. وإن أمة يحترم فيها الفرد أخاه، وتمتلك القدرة على ضبط النفس ومغالبة الهوى. وأخيرا، إن أمة تتكلم العربية وتتمكن من الاستمرار في قراءة القرآن..إن أمة كهذه لابد أن تحتفظ - على الأقل - في أعماقها ببذور الخير، و هي بذورٌ لابد لها أن تنمو مع الزمان، وتحتفظ كذلك بخميرة التغيير، وهو تغييرٌ لابد أن يأتي في يوم من الأيام.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام