أما السبب الثاني فإن من يفكر بالعيش بسلام فهو مسكين أيضا، لأنه يفكر بمنطق مخالف لسنن الله في الأرض. والله - سبحانه وتعالى - لم يخلق الإنسان في هذا الكون لإعمار الأرض ماديا فقط ولكن لينشر دين الإسلام، وهذا لا يكون دوما بالحوار والسلام بل بالحرب والقوة وإعداد العدة... فأين هذا المنطق من منطق كثير من مسلمي اليوم في لبنان وفي بعض الدول العربية التي تحكم بشرع الله... وأنا أتحدث هنا في الغالب عن الدول التي أبرمت معاهدات السلام أو تنتظر إبرامها. أين هؤلاء من قول الله - تعالى:"لن ترضى عنك اليهود والنصارى حتى تتبع ملتهم"فهل يعتقد هؤلاء بأنهم إذا حافظوا على الصلوات وكافة العبادات قاموا بواجبهم تجاه دينهم وربهم... وهم بذلك يحافظون على إسلامهم ولم يتبعوا اليهود ولا النصارى، فهل تناسى هؤلاء بأن تصرفاتهم تدل على عكس ذلك، فما الفرق بين أي أميركي يعيش في أميركا وبين ذلك المسلم الذي يرضى أن تحكمه دولة مثل أميركا وهي التي قتلت المسلمين في فلسطين والعراق وأفغانستان، وهي التي تدعم أكبر دولة إرهابية وتمدها بالسلاح وتدافع عنها أمام المجتمع الدولي، وهي التي ترفع سلاح الفيتو في مجلس الأمن الدولي ضد أي مشروع يمكن أن يدينها أو يهز من مشاعرها...
مسكين أنت أيها المواطن اللبناني الذي لم يشهد في تاريخه سوى الحروب والدمار، وهو وإن لم يعش المعارك العسكرية على أرضه في بعض الفترات، فإنه يشهد تلك الحرب الباردة على طاولات الحوار وفي جلسات البرلمان، والتي تكلفه من أعصابه أكثر مما تكلفه الحروب من أمواله، لذلك كفر هذا الشعب بحكامه ورؤسائه الذي يتبع كل واحد منهم لدولة يتحدث بلسانها وينقل برامجها وخططها.. لقد أدى التناقض في تركيبة الدولة وفي النظم الطائفي إلى استغلال دول العالم القريبة والبعيدة هذا التناقض من أجل زيادة حدة الانقسامات الداخلية لتنفيذ مآربها الخاصة... كل هذا والمواطن اللبناني مشغول بلقمة عيشه التي ضاقت يوما بعد يوم إلى أن دفعته للتخلي عن هويته اللبنانية واستبدالها بأخرى كندية أو فرنسية أو استرالية أو أميركية، يستعملها أثناء الحاجة كما هو الحال اليوم مع البعض النازحين الذين ناشدوا الرئيس ميتران والرئيس بوش إنقاذهم، فقال أحدهم"نحن مواطنون أميركيون نطالب الرئيس بوش بإنقاذنا". والحديث باللغة العربية طبعا. وإن كان المتحدث أبدى استعداده للحديث باللغة الانكليزية كي يصدقه الرئيس بوش، وقالت أخرى معترضة على عدم اهتمام السفارة الكندية برعاياها:"لقد تبين لنا اليوم أننا مواطنون من الدرجة الثانية".