نظر من نافذة السيارة فإذا المشاة يعبرون الشوارع المخصصة للسرعة العالية، ولا يعيرون التفاتا للمنشآت والترتيبات المخصصة لعبورهم المنظم من جسور ومعابر المشاة، لا يبالون بحق السيارات في استخدام الطريق، ولا بأرواحهم تتعرض للخطر المحقق..
تجول في بعض الشوارع و إذا به يضطر المرة تلو الأخرى إلى مغادرة الرصيف والمشي على طرف الشارع مع السيارات، إما ليتجنبَ سيارةً وقفت على الرصيف!! أو أكواماً من مواد البناء والرمال وُضِعت أمام بيتٍ هو قيد الإنشاء، أو صناديق بضاعة لبائع يعرضها على الرصيف ومحله خالٍ من البضائع، أو فروع وأغصان أشجارٍ من حديقة منزلية ملأت الرصيف ولم يأبه صاحب المنزل برفعها عن طريق الناس..
نظر إلى أزقة المدينة و شوارعها فإذا هي ملأى بالقمامة و النفايات التي يلقيها الناس اتفاقا دون التزام بزمانٍ أو مكان رغم الترتيبات المعقولة التي وضعتها بلدية المدينة..
تأمل البشر صغاراً و كباراً، رجالاً و نساءً، فإذا بالتدخين شائعا إلى درجةٍ سرطانية في مجتمعٍ لا يكفي دخله الشهري أياماً معدودات أو يكاد..
أصغى إلى الحوار الدائر في بعض الأماكن العامة فإذا بالجميع يرطنون بِلُغةٍ أجنبيةٍ تركها المستعمر يوم مضى..
وبدء صاحبنا يتساءل: إلى أي درجة يستطيع المرء أن يلقي بكل اللوم على الاستبداد السياسي لتفسير كل هذا التخلف وكل هذه الفوضى والقذارة؟ وإلى أي درجة يمكن الادعاء بعدم وجود مجال (لعملٍ) اجتماعي وثقافي يستصحبُ خصوصية الظرف وحساسيات المرحلة.. ولكنه يحيي الوعي في القلوب و العقول ويُنبِّهُ إلى خطورة مثل هذه الآفات؟
ولو أن هؤلاء المتورطين بممارسات التخلف والفوضى والاعتداء على حقوق القريب والبعيد من الناس بهذا الشكل المصغر، لو أنهم ملكوا أمر البلاد والعباد وتسنَّموا مسؤوليات الحكم والإدارة، أليس طبيعياً أن ينقلوا عقلية التجاهل لحقوق الآخرين إلى المستوى الجديد الذي يتحركون فيه، فيكون الحال نفس الحال والمآل نفس المآل؟ وهل يتصور المرء أن ينقلب الإنسان من مثل تلك الحالة إلى حالة الوعي بحقوق الأمة أفراداً وجماعات بقفزة واحدة، فيعمل على إحقاق الحق وإبطال الباطل ونشر العدل بين الناس؟... وأخيرا تساءل قائلا: تُرى ألا تبدو ممارسات الحكم والإدارة - على تعسفها وظلمها - أكثرَ منطقيةً وقابلية للفهم، بل وربما أكثر تحضراً وضبطاً للأمور في كثير من الحالات؟..
إن أزمة العقل العربي والمسلم التي تُخَيِّلُ له أن العمل لتغيير واقع الأمة لا يمكن أن يتم إلا عبر (العمل السياسي) ، أو أنه - على الأقل - يجب أن يبدأ بالعمل السياسي، إنما هي أزمةٌ عامة تُعبِّر عن واقعِ حالِ كثير من الأفراد والجماعات، وإن عَبَّر مقالُهُم عن غير ذلك.. و إن إحداث تغييرٍ حقيقي في موقعٍ يتفنَّنُ أهله في مثل تلك الممارسات، أينما كان ذلك الموقع، وهو حال معظم المواقع الأخرى في بلادنا الممتدة للأسف، نقول إن إحداث تغيير حقيقي في مثل هذا الواقع إنما هو أقرب للأماني والأحلام..