والسنة أن يؤمروا أحدهم في سفرهم، والأولى أن يختاروا أحكمهم وأعلمهم، وأكثرهم دراية بالسفر وحاجاته؛ جمعا للقلوب، وقطعا للاختلاف؛ فإن الاختلاف والتباغض في السفر لا يطاق، ويزيد من عذابه ومشقته، وقد روى أبو سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم) رواه أبو داود.
فإذا استوى على مركوبه أتى بما ورد من الذكر والدعاء مستحضرا نعمة الله تعالى عليه بما يسر له من المراكب، وسخر له من وسائل النقل التي حرمها غيره ممن لا يطيقون ثمنها، وهذا الدعاء الذي يقوله فيه نفعه وصلاحه لأنه يسأل الله تعالى أن يحفظه ويعينه في سفره، وأن لا يفجعه في نفسه أو أهله أو ماله، وحري به أن يستجاب له ما دام ممتثلا أوامر الله تعالى، مطبقا للسنة، روى ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استوى على بعيره خارجا إلى سفر كبر ثلاثا ثم قال: سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون، اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهم هون علينا سفرنا هذا واطو عنا بعده، اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنظر، وسوء المنقلب في المال والأهل، وإذا رجع قالهن وزاد فيهن آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون)رواه مسلم.
وجاء في حديث عبد الله بن سرجس ـ رضي الله عنه ـ قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافر يتعوذ من وعثاء السفر، وكآبة المنقلب، والحور بعد الكور، ودعوة المظلوم، وسوء المنظر في الأهل والمال) رواه مسلم
والسنة إذا علا شرفا من الأرض أن يكبر الله تعالى، وهكذا إذا أقلعت به الطائرة، وإذا هبط واديا أن يسبح الله تعالى، وهكذا إذا هبطت به الطائرة؛ لما روى جابر ـ رضي الله عنه ـ فقال: (كنا إذا صعدنا كبرنا، وإذا نزلنا سبحنا) رواه البخاري.
وروى أحمد عن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: كان النبي ص إذا صعد أكمة أو نشزا قال: اللهم لك الشرف على كل شرف، ولك الحمد على كل حمد)
وروى أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رجلا قال: يا رسول الله، إني أريد أن أسافر فأوصني، قال: عليك بتقوى الله والتكبير على كل شرف، فلما أن ولى الرجل، قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ: اللهم اطو له الأرض وهون عليه السفر)رواه الترمذي وقال: حديث حسن.
ولما كان المسافر إذا علا نشزا من الأرض، أو حلَّق في الهواء رأى من خلق الله تعالى ما رأى من جبال وبحار وغابات وعمران وغيره، وقد يعظم ذلك في نفسه ناسب أن يكبر الله تعالى، فيقر بأنه سبحانه أكبر مما يرى من عجائب خلقه.
وأيضا فإن الاستعلاء والارتفاع محبوب للنفوس؛ لما فيه من استشعار الكبرياء فشُرع لمن تلبس به أن يذكر كبرياء الله تعالى وأنه أكبر من كل شيء فيكبره ليشكر له ذلك، فيزيده من فضله.
وأما تسبيحه حال انخفاضه وهبوطه فهو تنزيه لله تعالى عن كل انخفاض وسفول.