فهرس الكتاب
الصفحة 239 من 477

وحاشا بلادَ التوحيدِ أن تستبدلَ الذي هُو أدنى بالذي هُو خير، فتتخلى عن رِسالتِها الخالدة، ونُورِها الفياض، وإشعُاعِها الباهر، الذي ملأَ الدُنيا ببهائهِ وجماله، وتلهثُ وراءَ دعواتٍ مشبوهة، تُزينُ الباطلَ وتُنمقه، يقودُ لواءِها كُتَّابٌ وصحافيون، أجلَبوا بخيلِهم ورجلِهم دعوةً وكتابة، وصُراخاً وضجيجاً، لتقليدُ الأجنبي في كُلِّ شيءٍ، حتى صدقَ فيهم قول المعصوم: (( لو دخلوا جُحر ضبٍ لدخلتموه ) ).

بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وأيَّا كم بالذكرِ الحكيم، واستغفر الله لي ولكم إنَّهُ هو الغفورُ الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله يُعطي ويمنع، ويخفضُ ويرفع، ويضرُ وينفع، ألا إلى اللهِ تصيرُ الأمور. وأُصلي وأسلمُ على الرحمةِ المهداة، والنعمةِ المُسداة، وعلى آلهِ وأصحابه والتابعين،

أمَّا بعدُ:

أيُّها الأخوةُ في الله:

يجبُ أن نُدركَ أننا أصحابُ رسالةِ، وأصحابُ عقيدة، وأصحابُ قضية، أصحابُ رسالةٍ يجبُ أن نحمِلها إلى الآفاقِ حتى لا يبقى بيتُ وبرٍ ولا مدرٍ إلاَّ أدخلهُ اللهُ الإسلامَ بعزِّ عزيزٍ أو بذُلِ ذليل، وأصحابُ عقيدةٍ يجبُ أن نرفعَ لوائها في كُلِّ وادٍ وناد، حتى يكونَ الدينُ كُلَّهُ للهِ ولو كَرِه المُشركون، وأصحابُ قضيةٍ يجبُ أن نحيا وأن نعيشَ من أجلها.

وقد فهمَ هذه الرسالة ووعى هذه الحقيقةِ أولئكَ الفوارسُ العظام، والجهابذةُ الكرامِ من أسلافِ هذه الأمة، فأقامُوا حِلَقَ التعليمِ في مساجِدِهم، وأُنشئت دُورَ الحديثِ، ومدارسُ التوحيدِ والفقهِ والأصول، ووفدَ الناسُ من كلِّ مكانٍ يطلُبُونَ العلومَ على أيديٍ، حُفَّاظُ الدُنيا وجهابذةُ الزمان، فساحَ الزائرونَ ورعايا البلادِ المفتوحةِ في بلادِ المسلمين، طلباً للعلمِ ونشدانا للثقافةِ الأصيلة، واختصَّت جزيرةُ الإسلامِ بمزيدٍ من الإشعاعِ الآخَّاذ، والسراجِ الوهاج، إلى هذا العصرِ الذي نعيشُيهُ، فظَلَ الوَافِدونَ يُقُدمُون لأداءِ منسكي الحجِّ والعمرة، ويرجِعُون وقد تخلص كثيرٌ منهم من خُرافات متراكمة..وبدع متمكنة..بفضل الله أولا ثم ما يُبذل من جهود ضخمة تبذلها الجهاتِ المختصة، من خلالِ جمٍّ غفيرٍ من الدُعاةِ والوعُاظ والمُوجِهِين، ينتشِرُونَ في مكةَ والمشاعرِ كلَّ عام، بالإضافةِ إلى ملايينَ النشراتِ الدعويةِ المؤصلة، توضعُ في أيدي أولئكَ الحجاجِ والمعتمرين، وإن ننسى فلا ننسى الجامعةَ الإسلاميةِ السلفيةِ العريقة، في مدينةِ رسولِ اللهِ حَرسَها اللهُ، وهي تستقطبُ مئاتَ الدارسينَ من أقطارِ المُعمورةِ يتلقَونَ عقيدةَ السلف، وقالَ اللهُ وقالَ رسولهُ ، ليرجِعوا بعد ذلك دُعاةً ومعلمين، فهذهِ بركاتُ الجزيرةِ، وهذهِ تجارتُها وتلكَ صِناعَتُها.

وخُلاصَةَ القولِ، إن كانَ من شَيءٍ نُقَدِمهُ للعالمِ فهُو كتابٌ وسنة، وإن كانَ من شيءٍ نتغنى بهِ ونفخرُ من أجلهِ فهُو وحيانِ شريفان، وكنزان عظيمان.. إن كان من شيء نقدمه لمن ينشدون الاطلاع على ثقافتنا فهو قرآن حكيم وذكر مبين من مثل قوله - تعالى: (( لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ ) ).

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام