وإذا كان ماركيز الروائي العالمي (الغربي - النصراني) تفاجأ في نهاية رحلته إلى موسكو بعد إعجابه بالشارع الروسي لكونه متمسكاً بهويته، فلا تجد الدعاية الغربية، ولا النمط الأمريكي، وغير مخترق من قبل الثقافة الغربية، لكن في نهاية رحلته فاجأته مترجمته بسؤالها عن رائحة الكوكاكولا فقد خاب أمله، وصدمته بهذا السؤال، لكن يبدو أن الاختراق الفكري كان قد وصل فوهة البركان، يقيناً بأن هناك من كان يناصح المسؤول الكبير الروسي بأن هناك بداية بركان غربي في باطن الشباب الروسي، فإذا لم يُطفأ فسينفجر.
وهذا ما حصل في بقية الدول العربية والإسلامية: براكين مغطاة لا يسمح للناصح والنذير والغيور الكلام فيها، بل تجد من يحذَّر من الناصحين ويصفهم بأنهم يبالغون في حجم الكارثة، وينعتهم بأنهم يعطون الأمر أكبر من حجمه، ويجعلون من الحبة قبة، فمن أراد معرفة جناية هؤلاء المحذَّرين من الناصحين والمنفَّرين من الغيورين على المجتمع وعلى الدين والمبادئ، وعلى الأخلاق وعلى الفضيلة والشرف، وعلى الأمن والأمان: فليقرأ مسيرة الفساد في الدول العربية، وليستقرئ تاريخ الجمعيات السرية، والتكتلات الخفية في هذه الدول، ليعرف تفعيل عملية التدرج في المجتمع، وتفعيل سيناريو (مشروع الألف ميل يبدأ بخطوة) ، فإذا قارن هذه المسيرة، وطابق هذا التاريخ على واقع هذه الدول وعلى شعوبها في الوقت الحالي فسيحكم على دعاة الفساد والرذيلة بالذكاء، وسيشهد لرؤساء هذه الجمعيات ودعاة تلك البرامج بالدهاء في رسم مخططاتهم وحبك تطبيق خططهم، والنجاح التام في تحويل هذه الدول وشعوبها إلى غربان، فهي تنازلت عن مبادئها، وطرحت أخلاقها لتلحق بأوروبا، وغيرت لغتها ومسخت هويتها لتكون غربية، ونسيت أو تناست تاريخها لتكون أمريكية، لكن النتيجة أن تحولت هذه الشعوب إلى غربان لم تستطع مجاراة الحمام في مشيتها، ونسيت مشيتها الأصلية، فالثمرة الفشل التام، فلا هي تقدمت في العلوم الطبيعية التجريبية والتكنولوجية، ولا هي تمسكت بمبادئها وأخلاقها وأصالتها، واعتزت بما لديها من تقدم في العلوم الإنسانية، بل وقفت في نصف الطريق بين حضارتين، وبين عقليتين في صحراء قاحلة وأضاعت الدنيا والآخرة.