فهرس الكتاب
الصفحة 118 من 477

أيها المسافرون: وأما المخاطرُ الأمنية، فنحنُ وأنتم عاجزونَ عن وصفِ حبلِ الأمنِ المضطرب، وجدارِ الطمأنينةِ المتداعي، ولكن حسبُنا إشاراتٌ عابرة، ولمحاتٌ سريعة، وتذكيراتٌ عاجلة، علَّها تكونُ كافيةً في تثنيكم عمَّا عزمتم عليه من السفر إلى تلكَ الديارِ المخيفة، حمايةً لأنفسكم، وحفظاً لأرواحِكم على الأقل إن لم يكنْ رغبةً في حفظِ عقائدكم وأخلاقكم، أو الوقوف عند حدودِ ربكم ومولاكم، فأنتم تعلمون أنَّ الجريمةَ في تلكَ البلاد لم تعدْ تأخُذ طابعَ الارتجالِ والفردية، ولكنَّها أصبحتْ اليوم جريمةً مُنظمة وعصاباتٍ مُدربة، وخبراءُ متمرسون جعلوا من الحياةِ جحيماً لا يُطاق، وعذاباً لا يُحتمل، وساد قانونُ الغاب، ومنطق هذا قويٌ وهذا ضعيف، وانطلقَ المجرمونَ والقتلةُ يسفكونَ دماءَ الناس، وينتهكونَ أعراضَهم في ظلِ غيبةِ الجزاءاتِ الرادعة، والعقوباتِ الحازمة، وأصبح دمُ الإنسان أرخصَ من دمِ البعوض، بحيث يكفي أن يرى المجرم ساعةَ يدٍ تُعجبُه، أو دولاراً يسيلُ له لُعابه حتى ينقضَ على فريسته بعدةِ طعنات ترديه قتيلاً دونَ أن يتحركَ أحدٌ لإنقاذِه، في ذلكَ العالمِ البهيميِ المخيف.

وقد بلغ من قوةِ نفوذِ عصاباتِ السرقةِ والإجرام، أن اقتسمتْ الأحياءَ والشوارع، وسيطرتْ كُلُّ عصابةٍ على حيٍ أو منطقةٍ ما، لتمارسَ إجرامَها وابتزازَها لكلِّ من يعبُر مناطقَ نُفوذِها، في غيبةٍ تامةٍ لرجالِ الأمن.

فأيُ نُزهةٍ وسياحةٍ تلك التي يبحثونَ عنها في تلك الأجواءِ المخيفةِ المضطربة.

أيها المسلمون: وقدْ يتشبثُ بعضُ المسافرين بحججٍ واهية، وأعذار ٍساقطة، فيدَّعي بعضُهم رغبَته في تعلمِ اللغةِ الأجنبية، أو إجراءِ الفحوصاتِ الطبي، أو نحوِها من الدعاوى، مع أنَّه يعلمُ جيداً أن تعلمَ اللغةِ الأجنبية أمرٌ ميسور من غير حاجةِ السفرِ إلى هناك، وأمَّا الفحوصات الطبية فلا يعجزُ عنها أصغر مستشفى في بلادنا!.

فليتق الله أولئك، وليعلموا أنهم إنَّما يخادعون أنفسَهم، وأما الله جلَّ جلاله فهو أجلُّ وأعظم من أن يخادعَه أحد، وليتذكروا أنَّهم مسؤولون عن إضاعتِهم الأمانة، وتبد يدِهم الأموالَ الطائلة في أسفارٍ لا مردود من ورائها، لو أحسنوا استخدامَها لروَّحوا عن أنفسهِم ترويحاً بريئاً، ولفرَّجوا عن فقراءِ المسلمينَ وضعفائِهم، إذ ربَّما كانت قيمةُ تذكرةٍ واحدةٍ في الدرجةِ الأولى إلى لندن أو باريس كافيةً لإعاشةِ أسرةٍ بأكملها لمدةِ عامٍ كامل، ولكنْ ما الحيلةُ وقد قستْ القلوبُ، وتبلدتْ الأحاسيسُ، وماتتْ الضمائرُ، وأصبحَ البعضُ يعيشُ لنفسِه وملذاتِه ورغباته، ولو ماتَ الآخرونَ أو احترقوا، أو طويت بُطونُهم من الجوعِ والفاقةِ والحرمان.

بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ونفعني وأيا كم بالذكر الحكيم.

واستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله يعطي ويمنع، ويخفض ويرفع، ويضر وينفع، ألا إلى الله تصيرُ الأمور. وأصلي وأسلم على الرحمةِ المهداة، والنعمة المسداة، وعلى آله وأصحابه والتابعين.

أما بعد:

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام