فهرس الكتاب
الصفحة 102 من 477

إخوةَ العقيدة، إنّ السفر الذي احتُسب فيه الأجر والثواب وحُرِص فيه على الطاعة وأنزه الآراب لهو بحقّ روضة للعقول، وبلوغ للأنس المأمول، وهو مَجْلاة للسّأم والكلال، وبُعدٌ عن الرّتابة والنمطيّة والإملال، وفضاءٌ رحب للاعتبار والادكار، ( قُلْ سِيرُواْ في الأرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ) [العنكبوت: 20] .

إبّان السفر تتجلّى عظمة الخالق البارئ - سبحانه -، فتخشعُ له القلوب أمام بديع السموات والأرض، أمامَ بديع خلقِ الطبيعة الخلاّبة، وتسبّحه الروح لمفاتنها الأخّاذة الجذّابة، أراضٍ شاسعةٌ فِيح [2] ، أنبتت أجملَ زهر بأطيب ريح، رياضٌ أُنُف وحدائق غُلب [3] ، نخيل باسقات وواحات مُونقات، رواسٍ شمّاء وأرض مَدحيّة وسماء وأنهار تجري بأعذب ماء. ( أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاواتِ وَالأرْضَ وَأَنزَلَ لَكُمْ مّنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُواْ شَجَرَهَا أَإِلَاهٌ مَّعَ اللَّهِ ) [النمل: 60] ، ( أَمَّن جَعَلَ الأرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلاَلَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِىَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَءلاهٌ مَّعَ اللهِ ) [النمل: 61] .

فسبحان الله عباد الله، مشاهدُ في الطبيعة ذائعة، ومخلوقات بديعة رائعة، تدهِش الألباب، وفي إتقانها العجب العجاب، تفعِم النفسَ والقلب مسرّة وابتهاجًا، لكن شريطةَ أن تكونَ على ممسٍّ من القلب والروح والفكر. وسبحانَ الله، كم يغلب على كثير من الناس أن يمرّوا بهذه المناظر وكأنهم إزاءَها دونَ نواظر، (أَفَلَمْ يَسِيرُواْ في الأرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ ءاذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ التي في الصُّدُورِ ) [الحج: 46] . يقول الإمام أبو الوفاء ابن عقيل - رحمه الله:"فنعوذ بالله من عيونٍ شاخصة غير بصيرة، وقلوب ناظرةٍ غير خبيرة".

إخوة الإيمان، ومن الحثّ اللّطيف على السفر النافع المفيد قولُ الثعالبي - رحمه الله:"من فضائل السفر أنّ صاحبه يرى من عجائب الأمصار وبدائع الأقطار ومحاسن الآثار ما يزيده علمًا بقدرة الله - تعالى -، ويدعوه شكرًا على نعمه" [4] .

إن العُلا حدَّثتني وهي صادقة *** فيما تحدِّث أنّ العِزَّ في النُقَل

وهل بلغ الصحابة الأجلاء والسلف النبلاء والأئمة الفقهاء ما بلغوا مِن ذُرى القمَم وقصَب السبق بين الأمم إلا بالرحلة في طلب الحديث وتحصيل العلوم والمعارف. ومن المعروف أن الكُحْل نوع من الأحجار كالثّرى يرمى على الطرقِ، فإذا تغرّب جُعِل بين الجفن والحدَق.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام