للناس في تسخير الله تعالى العالم للبشر، فيكونون تبعا في باب لزوم الدّيانة والمحنة لما ركب فيهم العقل والتمييز.
ومنها قوله تعالى في غير موضع خطابا للإنس والجنّ: {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن: 13] ، وعلى هذا روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أتاه وفد الجن ليلة الجن يسألونه أن يأتيهم ويعلّمهم معالم الدّين، فمضى إليهم، وقرأ عليهم سورة الرحمن، فلما أتى إلى قوله: {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} إلا كانوا أحسن جوابا من الإنس، وقال تعالى: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا} [الجن: 1، 2] ، وذكر في القصة أنهم لما سمعوا القرآن أنصتوا كونه معجزة، فثبت أنّ دعوته عامّة لكافّة الثقلين.
وأما قولهم: (بالحق والهدى) ، يحتمل قولهم: بالحق، أي: بعثه الله تعالى بالحق الذي لأجله خلقت السموات والأرض، وهو الدّلالة على وحدانيّة صانعهما، والاستعباد بالأوامر والنواهي، وأنّ البعث بعد الموت والفناء للجزاء في دار البقاء، ويحتمل بالحقّ أي بالحق الذي لله تعالى عليهم، وما لبعضهم على بعض، والكلّ يرجع إلى معنى واحد.