وأمّا قولهم: (لا مشيئة للعباد إلا ما شاء لهم) ، فلأنّهم عباد، والعبد اسم لمن هو موسوم بسمة التذلّل، يقال: طريق معبّد، أي مذلّل، لكنّهم مع كونهم عبيدا مملوكين ملك إيجاد وتخليق ليسوا في أفعالهم مجبورين، بل لهم قدرة اكتساب، لا قدرة تخليق، لقيام الأدلة القاطعة على استحالة ثبوت قدرة التخليق بغير القديم تعالى، ولهم اختيار فيما يأتون ويذرون لما يركّب فيهم الاختيار والعقل، فكانوا مختارين فيما يفعلون، لا اختيار ربوبيّة، بل اختيار محنة وكلفة، متردّدين بين فضل الربّ تعالى وعدله، ولذلك يثابون ويعاقبون، كذا ذكره أبو حفص الغزنويّ، وأبو المعين النسفيّ، وغيرهما، وهو مذهب أهل السنة والجماعة.
وأمّا قولهم: (فما شاء لهم كان، وما لم يشأْ لم يكنْ)
فإنما قالوا ذلك لأن نفوذ مشيئة الغير في شيء من الأشياء بدون إرادته تعالى ومشيئته دلالة القهر، وذلك محال في حقّه تعالى، قال الله تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير: 29] ، ولأنّ استبداد العبد بشيء لم يرد الله كونه، ولم يشأ وجوده، خروج عن محّل كونه عبدا، وذلك محال، لأنّ سمات الحدث ورقّ العبودية لا يرتفع عنه، وإن جلّت قدرته وعظمت رتبته، لاستحالة ارتفاع التأليف والتركيب عن ذاته، لما فيه من بطلان الحدثيّة والمصنوعيّة، وذلك محال.
قال أبو منصور الماتريديّ رضي الله عنه: الإرادة والمشيئة لفظان ينبآن عن معنى واحد.