وأما قوله: (باعث بلا مشقّة) ، فإنما قالوا ذلك لأنّ الله تعالى خلق العالم بلا مشقّة بالتكوين القائم بذاته، فيتعالى في بعثهم وإعادتهم بعد موتهم وتلاشيهم عن لحوق المشقّة، بل الإعادة في عقول الخلق أهون من الإنشاء، وقال تعالى: {أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ} [ق: 15] ، أي: ما عيينا بالخلق الأوّل، فكيف نعيى بالخلق الثاني؟
قال إمام الهدى في تأويل قوله تعالى: {فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ} [الحج: 5] ، فلو اجتمع حكماء البشر ليعرفوا المعنى الذي به خلق البشر من ذلك التّراب أو من النّطفة ما قدروا عليه، إذ ما وجدوا في التّراب والماء أثر البشر، ولا وجدوا فيه معنى البشريّة، فمن قدر على ابتداء إنشاء هذا العالم من التّراب أو من النّطفة من غير أن يكون في الأصل أثر ما خلق فيه