فهرس الكتاب
الصفحة 19 من 143

لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الجاثية: 13] ، فكان نفي مشابهتهم عن الله تعالى نفيا لمشابهة من سواهم من الخلائق من طريق الأولى، وحمل تلفّظهم بالأنام على إرادته البشر أولى، لأنهم علموا أنّ اليهود مجسّمة، وقد تبعهم من هذه الأمة طوائف التّجسيم والتّشبيه، وصفوا الله تعالى بأنه جسم على صورة البشر، وكذلك النّصارى مشبّهة، حيث وصفوا الباري بالولد والصاحبة، فأرادوا بقولهم: ولا يشبهه الأنام، الردّ عليهم على المبالغة في تنزيه الله تعالى عمّن لا يليق به، مع نفيهم مشابهة العالم عن الله تعالى بقولهم: ولا شيء مثله، في صدر فصل التوحيد.

وأما قولهم: (حيّ لا يموت) ، قوله تعالى: {هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [غافر: 65] ، وقوله تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ} [الفرقان: 58] .

ومن حيث المعقول؛ أنّ صفات الكمال في الشّاهد من الحياة والعلم والقدرة والسّمع والبصر يتعاقب أضدادها التي هي صفات النقص من الموت والجهل والعجز والصّمم والعمى، وعرفنا ثبوت صفات الكمال في القديم لمعرفتنا بالاستحالة ثبوت صفات النقائص في حقّه، وعرفنا ثبوت القدرة والعلم بدلالة المحدثات عليهما، إذ لا فعل يأتي بدون القدرة، ولا إحكام يحصل بدون العلم، والفعل يدلّ على علم الفاعل وقدرته، ويستحيل ثبوتهما بدون الحياة، إذ الحياة شرط ثبوتهما، إذ الموت والجماديّة يضادّان العلم والقدرة كما يضادّان الحياة، فإنّ العقول السليمة كما تأبى قبول من أخبر عن اجتماع الموت

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام