ويحصره، وكم شيء لا يدرك إذا لم ير، فلا تمدح في مجرّد نفي الرؤية، إذ قد لا يدرك غيره إذا لم يُرَ، وكان الممتدح في نفي الإدراك مع الرؤية.
ولأنّ الرؤية مشاهدة الموجود على ما هو به، كالعلم؛ فكما يعلم بلا كيفيّة ولا مائيّة، فكذلك يرى بلا كيفيّة ولا مائية، ولأنّ الرؤية إثبات وتحقيق، فلا ينافي الكمال، بل يلائمه ويحققه، إذ الرؤية من صفات الموجود، والله تعالى موجود واجب الوجود لذاته، فكان جائز الرؤية عقلا، وقد تأيّد بورود الشرع، فوجب الاعتقاد بأنه مرئيّ، وإنما تأخّرت الرؤية إلى الآخرة لإثبات محنة الإيمان عن غيب بالاستدلال بالآيات عن اختيار، إذ لا إيمان ينفع عند العيان، لأنه يقع اضطرارا، ولذلك لا ينفع إيمان الكفرة في الآخرة لوقوعه في دار العيان، وإنما الكلفة ببذل المجهود في الوصول إلى معرفة المعبود، والإيمان به عن غيب بالاستدلال بشهادة الآيات عن اختيار، فكان تأخير الرؤية إلى الآخرة لإثبات المحنة بالأوامر والنواهي لعاقبة الجزاء في دار البقاء.