ومشيئته وتأييده في كل لمحة وطرفة، وهي حقيقة العبوديّة، قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [العنكبوت: 6] ، وهو مذهب أهل السنّة والجماعة.
وأما الاستطاعة الثانية؛ فهي القدرة الظاهرة، وهي من جهة الوسع والتمكين وصحة الآلات، وهي متقدّمة على الفعل، فالقدرة التي يوجد بها الفعل هي باطنة لا يتعلّق أحكام الشرع بها، لأنها باطنة، قبل وجودها هي معدومة، وتعليق الأحكام بالمعدوم يفضي إلى إهدارها، والله تعالى شرع الأحكام للإلزام لا للإهدار، وبعد وجودها هي خفية لا يقف العبد عليها، ولا تبقى زمانين، لأنها عرض، فالقول بتعليق الأحكام بها قول بما ليس في وسع العبد، ولذلك احتجّوا بقول الله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] ، فقال بثبوت هذه القدرة مع الفعل لإظهار حقيّة العبودية بافتقار العبد إلى الله تعالى في كل لمحة ولحظة إلى تخليق قدرة الفعل، وهو مذهب أهل الحقّ.
وقالت المعتزلة بتقديم هذه القدرة على الفعل، وهذا فاسد من وجوه:
-أحدها: أنّ في القول بتقديم قدرة الفعل على الفعل قولا بالاستغناء عن الله تعالى، وذلك محال.
-والثاني: في القول بذلك إهدار أحكام الشرع، لأنّ الأمر إمّا:
أن يرد قبل وجود هذه القدرة، فيكون تكليفا قبل وجود القدرة، والقول به فاسد لما يكون تكليف العاجز.