ثم إن هذه الأسماء الثلاثة تنقسم إلى قسمين: فالبارئ اسم مختص بالله عز وجل فلا يجوز أن يطلق على غيره بأي حال لأن البرْأَ- وهو الإيجاد من العدم- أمرٌ مختصٌ به سبحانه فهو الذي برأ الخليقة وأوجدها من العدم، وأمَّا الخالق المصوِّر فإن استعملا مطلقين غير مقيَّدين لم يطلقا إلا على الرب كقوله تعالى: (الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ) ، وإن استعملا مقيدين أطلقا على العبد كما يقال لمن قدَّر شيئاً: إنه خلقه، قال الشاعر:
ولأنت تفري ما خلقت وبـ ... ـعض القوم يخلق ثم لا يفري
أي لك قدرة تمضي وتنفد بها ما قدرته، وغيرك يقدر أشياء وهو عاجز عن إنفاذها وإمضائها، وبهذا الاعتبار صح إطلاق خالق على العبد في قوله تعالى: (فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) [المؤمنون: 14] أي: أحسن المصورين والمقدرين، ومن لم يدرك هذا التفصيل أخطأ في هذا الباب؛ إما بنفي إطلاق خالق ومصور بهذا الاعتبار على المخلوق، أو أن يثبت للمخلوق ما يختص بالله من ذلك وهو تفرده سبحانه بخلق وإيجاد جميع هذه المخلوقات دقيقها وجليلها، والله تعالى يقول: (أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ(191) وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ) [الأعراف: 191 - 192] .