وأثبت مكانها حسنة، وإذا بلغت ذنوب أحدهم عنان السماء ثم استغفره غفر له، ولو لقيه بقُراب الأرض خطايا ثم لقيه بالتوحيد لا يشرك به شيئاً لأتاه بقُرابها مغفرةً، وشرع لهم التوبة الهادمة للذنوب، فوفقهم لفعلها، ثم قبلها منهم، وشرع لهم الحج الذي يهدم ما قبله، فوفقهم لفعله وكفر عنهم سيئاتهم به، وكذلك ما شرعه لهم من الطاعات والقُرُبات، وهو الذي أمرَهُم بها، وخلقها لهم، وأعطاهم إياها، ورتب عليها جزاءها، فمنه السببُ ومنه الجزاء، ومنه التوفيق، ومنه العطاء أولاً وآخراً، وهم محلُّ إحسانه كله منه أولاً وآخراً، وأعطى عبده المال وقال: تقربْ بهذا إليّ أقبَلْهُ منك، فالعبد له والمال له والثواب منه، فهو المعطي أولاً وآخراً.
فكيف لا يُحبُّ من هذا شأنه، وكيف لا يستحي العبد أن يصرف شيئاً من محبته إلى غيره، ومن أولى بالحمد والثناء والمحبة منه؟! ومن أولى بالكرم والجود والإحسان منه؟! فسبحانه وبحمده لا إله إلا هو العزيز الحكيم" (1) ."
وينبغي للعبد وقد عرف فضل الله وجوده وعطاءه وأن العطاء أحبُّ إليه من المنع، والعفو أحبُّ إليه من الانتقام؛ أن لا يتعرض لغضبه سبحانه بفعل مساخطه وارتكاب مناهيه"فإن من فعل ذلك فقد استدعى من الجواد الكريم خلاف ما هو موصوف به من الجود والإحسان والبِر، وتعرض لإغضابه وإسخاطه وانتقامه، وأن يصير غضبه وسخطُه في موضع رضاه، وانتقامه وعقوبته في موضع كرمه وبره وعطائه، فاستدعى بمعصيته من أفعاله ما سواه أحبُّ إليه منه، وخلاف ما هو من لوازم ذاته من الجود والإحسان" (2) .
والمرجُوُّ من الجواد الكريم سبحانه أن يَمُنَّ علينا جميعاً بفعل الأسباب المؤدية إلى نيل جودِه وكرمِه، وأن يُعيذنا من الأسباب الموصلة إلى سخطه وعقوبته وانتقامه، فالجود جوده، والمنُّ منُّه، والأمر إليه من قبل ومن بعد لا شريك له.
(1) "طريق الهجرتين" (ص/468) .
(2) "مدارج السالكين" (1/ 212 - 213) .