فهرس الكتاب
الصفحة 320 من 335

بالرِّزق والملك والتدبير والإحياء والإماتة والبدء والإعادة والإرشاد والهداية، وغير ذلك، ليقيم به عليهم الحجَّة في وجوب توحيده وإفراده بالعبادة، وإبطال ما هم عليه من الشرك الفاضح، والكفر المبين، بالعكوف على من لا يملك لهم ضراً ولا نفعاً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً.

قال أبو العباس القرطبي رحمه الله:"والوتر يُراد به التوحيد، فيكون المعنى: إن الله في ذاته وكماله وأفعاله واحدٌ، ويحبُّ التوحيد، أي: يُوحد ويُعتقد انفراده دون خلقه، فليتئمُ أول الحديث وآخره، وظاهره وباطنه" (1) .

فأول الحديث إخبارٌ بوحدانية الله وتفرُّده بالجلال والكمال، والخلق والتصرف والتدبير، وآخره ترغيب في التوحيد وحضٌّ عليه ببيان حبه سبحانه لأهله القائمين به المحافظين عليه.

وكم في القرآن من الآي في تقرير هذا التوحيد وإبطال الشرك والتنديد، قال الله تعالى: (أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمْ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) [يوسف: 39] ، وقال تعالى: (قُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى أَاللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ) [النمل: 59] ، وكم فيه من ذكر الحجج الواضحات، والبراهين البينات، والدلائل الساطعات وإرشاد العباد في الاستدلال على وحدانيته بآياته وسننه الكونية، وتفرده سبحانه بتصريف المخلوقات وتدبير الكائنات بما هو أبين دليل على تفرده بالإلهية واستحقاقه أن يعبد وحده لا شريك له.

قال ابن القيم رحمه الله:"كلُّ سورة في القرآن متضمنة لنوعي التوحيد، بل نقول قولاً كلياً: إن كل آية في القرآن فهي متضمنة للتوحيد، شاهدة به، داعية إليه، فإن القرآن إما خبرٌ عن الله وأسمائه وصفاته وأفعاله، فهو التوحيد العلمي الخبري، وإما دعوة إلى عبادته وحده لا شريك له، وخلع كل ما يعبد من دونه، فهو التوحيد الإرادي الطلبي، وإما أمر ونهي وإلزام بطاعته في نهيه وأمره فهي حقوق التوحيد ومكملاته، وإما خبر عن كرامة الله لأهل توحيده وطاعته، وما فعل بهم في الدنيا،"

(1) "المفهم" (7/ 18) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام