بكلام الله، فعاد إلى حفظه وقرأ: (وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) فقال الأعرابي: صدقت؛ عزَّ فحكم فقطع، ولو غفر ورحم لما قطع، ولهذا إذا ختمت آية الرحمة باسم عذاب أو بالعكس ظهر تنافر الكلام وعدم انتظامه" (1) ."
وعلى هذا فإن دعاء الله بأسمائه المأمور به في قوله: (فَادْعُوهُ بِهَا) لا يتأتى إلا مع العلم بمعانيها؛ فإنه إن لم يكن عالماً بمعانيها ربما جعل في دعائه الاسم في غير موطنه، كأن يختم طلب الرحمة باسم العذاب أو العكس، فيظهر التنافر في الكلام وعدم الاتساق، ومن يتدبَّر الأدعية الواردة في القرآن الكريم أو في سنة النبيِّ صلى الله عليه وسلم يجد أنه ما من دعاء منها يختم بشيء من أسماء الله الحسنى إلا ويكون في ذلك الاسم ارتباط وتناسب مع الدُّعاء المطلوب، كقوله تعالى: (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [البقرة: 127] ، وقوله: (رَبَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ) [المؤمنون: 109] ، وقوله: (رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ) [الأعراف: 89] ، وهكذا الشأن في عامة الدعوات المأثورة.
إن معرفة المسلم بهذا الوصف العظيم لأسماء الله تعالى -وهو كونها حسنى- يزيد فيه التعظيمَ لها والإجلالَ والحرص على فهم معانيها الجليلة ومدلولاتها العظيمة، ويبعده عن منزلقات المحرِّفين وتأويلات المبطلين وتخرُّصات الجاهلين.
هذا؛ ويمكن أن نلخِّص المعاني المستفادة والثمار المجنية من هذا الوصف لأسماء الله في الأمور التالية:
الأول: أنها أسماءٌ دالَّةٌ على أحسن مسمَّى وأجلِّ موصوف، وهو الله تبارك وتعالى ذو الجلال والكمال والجمال.
الثاني: أنَّ فيها إجلالاً لله وتعظيماً وإكباراً وإظهاراً لعظمته ومجده وكماله وجلاله وكبريائه سبحانه.
(1) "جلاء الأفهام" (ص/108) .