فهرس الكتاب
الصفحة 281 من 335

وفي هذا بيان أن العبد ليس إليه شيءٌ من أمر سعادته أو شقاوته أو خفضه أو رفعه، أو تقدمه أو تأخره، إن اهتدى فبهداية الله إياه، وإن ثبت على الإيمان فبتثبيته، وإن ضل فبصرفه عن الهدى، وأن الذي يتولى قلوب العباد هو الله يتصرف فيها بما شاء، لا يمتنع عليه شيء منها، يقلبها كيف يشاء.

والعبد مع هذا محتاج إلى بذل المساعي النافعة، وسلوك المسالك الصالحة التي يكون بها تقدمه ونيله رضا الله، والبعد عن المسالك السيئة التي يكون بها تأخره ووقوعه في سخط الله، كما قال تعالى: (لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ) [المدثر: 37] ، أي: يتقدم بفعل ما يقربه من ربه ويدنيه من رضاه ودار كرامته، أو يتأخر بفعل المعاصي واقتراف الآثام التي تباعده عن رضى الله وتدنيه من سخطه ومن النار، ولا غنى للعبد في فعل ما فيه تقدمه والبعد عما فيه تأخره عن الرب المقدِّم والمؤخر سبحانه، فهو محتاج إليه في كل شؤونه، مفتقر إليه في جميع حاجاته، لا يستغني عن ربه ومولاه طرفة عين.

وقد فتح سبحانه أبوابه للراغبين السائلين، وهو سبحانه لا يرد من دعاه، ولا يخيب من ناداه، القائل في الحديث القدسي:"يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته، فاستهدوني أهدكم، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته، فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته، فاستكسوني أكسُكم، يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعاً، فاستغفروني أغفر لكم"رواه مسلم (1) .

إن إيمان العبد بأن الله وحده المقدم والمؤخر لا شريك له يثمر كمال الذل بين يديه، وقوة الطمع فبما عنده، والخوف منه سبحانه، وعدم اليأس من روحه، وعدم الأمن من مكره، وحسن الالتجاء إليه رغباً ورهباً وخوفاً وطمعاً، وحرصاً ومسابقة إلى الخيرات والأعمال الصالحات (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [الحديد: 21] .

(1) (رقم: 2577) من حديث أبي ذر رضي الله عنه.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام