وهذان الاسمان من الأسماء المزدوجة المتقابلة التي لا يطلق واحد بمفرده على الله إلا مقروناً بالآخر، فإن الكمال من اجتماعهما، والتقديم والتأخير وصفان لله عز وجل دالان على كمال قدرته ونفوذ مشيئته، وكمال حكمته، وهما من الصفات الذاتية لكونهما قائمين بالله والله متصف بهما، ومن صفات الأفعال؛ لأن التقديم والتأخير متعلق بالمخلوقات ذواتها وأفعالها وأوصافها.
وهذا التقديم والتأخير يكون كونياً كتقديم بعض المخلوقات على بعض وتأخير بعضها عن بعض، وكتقديم الأسباب على مسبباتها، والشروط على مشروطاتها، إلى غير ذلك من أنواع التقديم والتأخير في الخلق والتقدير، ويكون شرعياً كما فضل الأنبياء على الخلق وفضل بعضهم على بعض، وفضل بعض عباده على بعض، وقدمهم في العلم والإيمان والعمل والأخلاق وسائر الأوصاف، وأخر من أخر منهم بشيء من ذلك، وكل هذا تبع لحكمته سبحانه، يقدم من يشاء من خلقه إلى رحمته بتوفيقه وفضله، ويؤخر من يشاء عن ذلك بعدله.
وقد ورد هذان الاسمان في الثلاثة أحاديث المتقدمة في سياق طلب الغفران للذنوب جميعها المتقدم والمتأخر، والسر والعلانية، والخطأ والعمد، وفي هذا أن الذنوب توبق العبد وتؤخره، وصفح الله عن عبده وغفرانه له يقدمه ويرفعه، والأمر كله لله وبيده يخفض ويرفع، ويعز ويذل، ويعطي ويمنع، من كتب الله له عزاً ورفعة وتقدماً لم يستطع أحد حرمانه من ذلك، ومن كتب الله له ذلاً وخفضاً وتأخراً لم يستطع أحد عونه للخلاص من ذلك، وفي الحديث:"ما من قلب إلا وهو بين أصبعين من أصابع رب العالمين إن شاء أن يقيمه أقامه، وإن شاء أن يزيغه أزاغه. وكان يقول: يا مقلب القلوب ثبِّتْ قلوبنا على دينك، والميزان بيد الرحمن عز وجل يخفضه ويرفعه"رواه أحمد (1) .
(1) (4/ 182) من حديث النواس بن سمعان، وإسناده صحيح.