نور حسِّيّ، وهو ما اتصف به من النور العظيم، الذي لو كشف الحجاب عن وجهه لأحرقت سُبحاتُ وجهه ونور جلاله ما انتهى إليه بصره من خلقه، وهذا النور لا يمكن التعبير عنه إلا بمثل هذه العبارة النبوية المؤدية للمعنى العظيم، وأنه لا تطيق المخلوقات كلها الثبوت لنور وجهه لو تبدى لها، ولولا أن أهل دار القرار يعطيهم الرب حياة كاملة، ويعينهم على ذلك لما تمكنوا من رؤية الرب العظيم، وجميع الأنوار في السموات العلوية كلها من نوره، بل نور جنات النعيم التي عرضها السموات والأرض - وسعتُها لا يعلمها إلا الله - من نوره، فنور العرش والكرسي والجنات من نوره، فضلاً عن نور الشمس والقمر والكواكب.
والنوع الثاني: نوره المعنوي، وهو النور الذي نوَّر قلوب أنبيائه وأصفيائه وأوليائه وملائكته، من أنوار معرفته وأنوار محبته، فإن لمعرفته في قلوب أوليائه المؤمنين أنواراً بحسب ما عرفوه من نعوت جلاله، وما اعتقدوه من صفات جماله، فكل وصف من أوصافه له تأثير في قلوبهم، فإن معرفة المولى أعظم المعارف كلها، والعلم به أجل العلوم، والعلم النافع كله أنوار في القلوب، فكيف بهاذ العلم الذي هو أفضل العلوم وأجلها وأصلها وأساسها.
فكيف إذا انضم إلى هذا نور محبته والإنابة إليه، فهنالك تمتلئ أقطار القلب وجهاته من الأنوار المتنوعة وفنون اللذات المتشابهة في الحسن والنعيم.
فمعاني العظمة والكبرياء والجلال والمجد تملأ قلوبهم من أنوار الهيبة والتعظيم والإجلال والتكبير.
ومعاني الجمال والبر والإكرام: تملأها من أنوار المحبة والود والشوق.
ومعاني الرحمة والرأفة والجود واللطف: تملأ قلوبهم من أنوار الحب النامي على الإحسان، وأنوار الشكر والحمد بأنواعه والثناء.
ومعاني الألوهية: تملأها من أنوار التعبد، وضياء التقرُّب، وسناء التحبب، وأسرار التودُّد، وحرية التعلق التام بالله رغبة ورهبة، وطلبا وإنابة، وانصراف القلب عن تعلقه بالأغيار كلها.