فهرس الكتاب
الصفحة 211 من 335

وحلمُه سبحانه بأصحاب الأخدود وهم قوم من الكفار، كان عندهم قوم مؤمنون، فراودوهم للدخول في دينهم، فامتنعوا، فشق الكفار أخدُوداً في الأرض أجَّجوا فيه ناراً، ثم فتنوا المؤمنين وعرضوهم على النار، فمن استجاب لهم أطلقوه، ومن امتنع قذفوه في النار، وهذا في غاية المحاربة لله ولأوليائه المؤمنين، ومع هذا كله دعاهم سبحانه للتوبة.

قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ) [البروج: 10] .

قال الحسن البصري رحمه الله:"انظروا إلى هذا الكرم والجود، قتلوا أولياءه وهو يدعوهم إلى التوبة والمغفرة" (1) .

ومن حلمه سبحانه إمساكه للسماء أن تقع على الأرض، وإمساكه لهما أن تزولا مع كثرة ذنوب بني آدم ومعاصيهم، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً) [فاطر: 41] .

قال العلامة ابن سعدي رحمه الله في تفسيره لهذه الآية:"يخبر تعالى عن كمال قدرته، وتمام رحمته، وسعة حلمه ومغفرته، وأنه تعالى يمسك السموات والأرض عن الزوال، فإنهما لو زالتا ما أمسكهما أحد من الخلق، ولعجزت قدرتهم وقواهم عنهما، ولكنه تعالى قضى أن يكونا كما وجدا، ليحصل للخلق القرار والنفع والاعتبار، وليعلموا من عظيم سلطانه، وقوة قدرته ما به تمتلئ قلوبهم له إجلالاً وتعظيماً، ومحبة وتكريماً، وليعلموا كمال حلمه ومغفرته بإمهال المذنبين، وعدم معاجلته للعاصين، مع أنه لو أمر السماء لحصبتهم، ولو أذن للأرض لابتلعتهم، ولكن وسعتهم مغفرته وحلمه وكرمه (إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً) [فاطر: 41] " (2) .

(1) انظر:"تفسير ابن كثير" (8/ 393) .

(2) "تيسير الكريم الرحمن" (ص/812) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام