فمع ما يكون منهم من شرك به سبحانه، ووقوع في مساخطه واجتهاد في مخالفته ومحاربة دينه، ومعاداة لأوليائه يحلم عليهم، ويسوق إليهم أنواع الطيبات، ويرزقهم ويعافيهم، كما في"الصحيح" (1) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه أنه قال:"يشتمني ابن آدم، وما ينبغي له أن يشتمني، ويكذبني، وما ينبغي له، أما شتمه فقوله: إن لي ولداً، وأما تكذيبه فقوله:"ليس يعيدني كما بدأني"."
وفي"الصحيحين" (2) من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ليس أحدٌ أو ليس شيءٌ أصبر على أذى سمعه من الله، إنهم ليدعون له ولداً، وإنه ليعافيهم ويرزقهم".
قال ابن القيِّم رحمه الله:"وهو مع هذا الشتم له والتكذيب يرزق الشاتم المكذب، ويعافيه، ويدفع عنه، ويدعوه إلى جنته، ويقبل توبته إذا تاب إليه، ويبدله بسيئاته حسنات، ويلطف به في جميع أحواله، ويؤهله لإرسال رسله، ويأمرهم بأن يلينوا له القول ويرفقوا به" (3) .
ومن ذلكم حلمه بفرعون مع شدة طغيانه وعلوه في الأرض وإفساده للخلق، قال تعالى: (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) [طه: 43 - 44] .
وحلمُه سبحانه بالذين نسبوا له الولد حيث دعاهم للتوبة، وفتح لهم أبوابها، قال تعالى: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [المائدة: 73 - 74] .
(1) "صحيح البخاري" (رقم: 3193) .
(2) "صحيح البخاري" (رقم: 4748) ، ومسلم (رقم: 2804) .
(3) "شفاء العليل" (2/ 653) .