فهرس الكتاب
الصفحة 185 من 335

ومن كمال غناه أن خزائن السموات والأرض بيده، وأن جوده على خلقه متواصل آناء الليل والنهار، وأن يديه سحاء في كل وقت (لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) [لقمان: 26]

ومن كمال غناه أنه يدعو عباده إلى سؤاله كلّ وقت، ويعدهم عند ذلك بالإجابة مهما عظم السؤال، وبأمرهم بعبادته ويعدهم القبول والإثابة، وهو تبارك وتعالى واسع الفضل، جزيل النوال، وقد آتاهم من كل ما سألوه، وأعطاهم كل ما أرادوه وتمنوه.

ومن كمال غناه أنه لو اجتمع أهل السموات والأرض وأول الخلق وآخرهم في صعيد واحد فسألوه كل ما تعلقت به مطالبهم فأعطاهم سؤلهم لم ينقص ذلك مما عنده، ففي الحديث القدسي يقول تعالى:"يا عبادي لو أنّ أوّلكم وآخركم وإنسكم وجنّكم، قاموا في صعيد واحد، فسألوني، فأعطيتُ كلَّ إنسان مسألته، ما نقص ذلك مما عندي، إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل في البحر"رواه مسلم (1) .

ومن كمال غناه العظيم الذي لا يقادر قدره ولا يمكن وصفه ما يبسطه تبارك وتعالى على أهل الإيمان في جنات النعيم من صنوف اللذات وأنواع النعم وأطايب المنن مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [السجدة: 17] .

فمن عرف ربَّه بهذا الوصف العظيم عرف نفسه، من عرف ربه بالغنى المطلق عرف نفسه بالفقر المطلق، ومن عرف ربه بالقدرة التامة عرف نفسه بالعجز التام، ومن عرف ربّه بالعزِّ التام عرف نفسه بالمسكنة التامة، ومن عرف ربَّه بالعلما لتام والحكمة عرف نفسه بالجهل، وعِلمُ العبد بافتقاره إلى الله الذي هو ثمرة هذه المعرفة هو عنوان سعادة العبد وفلاحه في الدنيا والآخرة.

(1) طرف من حديث أبي ذر رضي الله عنه المتقدم.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام