فهرس الكتاب
الصفحة 139 من 335

قال ابن القيّم رحمه الله في"نونيته" (1) :

وهو اللطيفُ بعبده ولعبده ... واللطفُ في أوصافه نوعان

إدراك أسرارِ الأمور بخبرةٍ ... واللطفُ عند مواقع الإحسان

فيرُيك عزَّته ويُبدي لطفه ... والعبد في الغفلات عن ذا الشان

فلطف الله بعبده هو من الرحمة، بل هو رحمة خاصة، فالرحمة التي تصل إلى العبد من حيث لا يشعر بها أو لا يشعر بأسبابها هي اللطف.

يقال: لَطَف الله بعبده، ولَطَف له: أي تولاَّه ولايةً خاصّة، بها تصلح أحواله الظاهرة والباطنة، وبها تندفع عنه جميع المكروهات من الأمور الداخلية، والأمور الخارجية، فالأمور الداخلية لطفٌ بالعبد، والأمور الخارجية لطف للعبد، فإذا يسّر الله أمور عبده وسهّل له طرق الخير وأعانه عليها فقد لطف به، وإذا قيّض له أسباباً خارجيةً غير داخلةٍ تحت قدرة العبد فيها صلاحه فقد لطف له؛ ولهذا في قصّة يوسف عليه السلام حيث قدر الله أموراً كثيرة خارجية عادت عاقبتُه الحميدة إلى يوسف وأبيه، وكانت في مبادئها مكروهة للنفوس، ولكن صارتْ عواقبها أحمد العواقب، وفوائدها أجلّ الفوائد؛ ولذا قال عليه السلام: (إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ) [يوسف: 100] ، أي: إن هذه الأشياء التي حصلت، لطفٌ لطفه الله له، فاعترف بهذه النعمة.

ولُطف الله بعبده وله بابٌ واسع، ويتفضّل الله بما شاء منه على من يشاء من عباده ممن يعلمه محلاً لذلك وأهلاً له، والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.

ومن لطفه بعباده المؤمنين أنه يتولاهم بلطفه فيخرجهم من الظلمات إلى النور، من ظلمات الجهل والكفر والبدع والمعاصي إلى نور العلم والإيمان والطاعة.

(1) (ص/ 244 - ط. دار ابن خزيمة) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام