فهرس الكتاب
الصفحة 136 من 335

يقوم بريبة، ولو قيل لأهل بلد: إنَّ أمير ذلك البلد يبيت عالماً بكل ما يفعلونه في الليل من الخسائس لباتوا متأدبين.

وهذا خالق السموات والأرض، الملك الجبار، يخبرهم في آيات كتابه، لا تكاد تقلب ورقة واحدة من أوراق المصحف الكريم إلا وجدت فيها هذا الواعظ الأكبر والزاجر الأعظم (بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) ، (وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) ، (يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ) [النحل: 19] ، (وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا) [الأنعام: 59] ، (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ) [ق: 16] ، (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ) [البقرة:235] ، (وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآَنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ) [يونس: 61] .

فينبغي علينا جميعاً أن نعتبر بهذا الزّاجر الأكبر، والواعظ الأعظم، وأن لا ننساه لئلا نهلك أنفسنا" (1) ."

قال ابن رجب رحمه الله:"أكره رجل امرأة على نفسها، وأمرها بغلق الأبواب، فقال لها: هل بقي باب لم يُغلق؟ قالت: نعم؛ الباب الذي بيننا وبين الله، فلم يتعرَّض له، ورأى بعضُهم رجلاً يكلِّم امرأةً فقال: إن الله يراكما سترنا الله وإياكما" (2) .

قال الله تعالى: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) [غافر: 19] ، فمن تأمَّل هذا وتدبره كان له فيه أعظم زاجر وأكبر رادع.

قال ابن كثير رحمه الله في معنى الآية:"يخبر تعالى عن علمه التام المحيط بجميع الأشياء، جليلها وحقيرها، صغيرها وكبيرها، دقيقها ولطيفها، ليحذر الناس علمه فيهم، فيستحيوا من الله حق الحياء، ويتَّقوه حق تقواه، ويراقبوه مراقبة من يعلم أنه يراه، فإنه تعالى يعلم العين الخائنة وإن أبدت أمانة، ويعلم ما تنطوي عليه خبايا الصّدور من الضمائر والسرائر" (3) .

(1) "العذب النمير" (1/ 333 - 334) بتصرف.

(2) "شرح كلمة الإخلاص" (ص/49) .

(3) "تفسير ابن كثير" (7/ 127) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام