القول الثاني: تجب الكفارة، وهو المشهور من المذهب، لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ذكر في حديث آخر غير الحديثين أن كفارته كفارة يمين وكون الأمر لا يذكر في حديث لا يقتضي عدمه، فعدم الذكر ليس ذكراً للعدم، نعم، لو قال الرسول: لا كفارة، صار في الحديثين تعارض، وحينئذ نطلب الترجيح، لكن الرسول لم ينف الكفارة، بل سكت، والسكوت لا ينافي المنطوق، فالسكوت وعدم الذكر يكون اعتماداً على ما تقدم، فإن كان الرسول قاله قبل أن ينهى هذا الرجل، فاعتماداً عليه لم يقله، لأنه ليس بلازم أن كل مسألة فيها قيد أو تخصيص يذكرها الرسول عند كل عموم، فلو كان يلزم هذا، لكانت تطول السنة، لكن الرسول - صلى الله عليه وسلم - إذا ذكر حديثاً عاماً وله ما يخصصه في مكان آخر حمل عليه، وإن لم يذكره حين تكلم بالعموم. وأيضاً من حيث القياس لو أن الإنسان اقسم ليفعلن محرماً، وقال: والله، لأفعلن هذا الشيء وهو محرم، فلا يفعله، ويكفر كفارة يمين، مع أنه أقسم على فعل محرم، والنذر شبيه بالقسم، وعلى هذا، فكفارته كفارة يمين، وهذا القول أصح.
وقوله:"ولا فيما لا يملك ابن آدم"الذي لا يملكه ابن آدم يحتمل معنيين:
الأول: ما لا يملك فعله شرعاً، كما لو قال: لله على أن أعتق عبد فلان، فلا يصح لأنه لا يملك إعتاقه.
الثاني: ما لا يملك فعله قدراً كما لو قال: لله عليّ نذر أن أطير بيدي فهذا لا يصح لأنه لا يملكه والفقهاء رحمهم الله يمثلون بمثل هذا للمستحيل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فيه مسائل:
الأولى: تفسير قوله: { لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا } .
الثانية: أن المعصية قد تؤثر في الأرض، وكذلك الطاعة.
الثالثة: رد المسألة المشكلة إلى المسألة البيِّنة ليزول الإشكال.
الرابعة: استفصال المفتي إذا احتاج إلى ذلك.
الخامسة: أن تخصيص البقعة بالنذر لا بأس به إذا خلا من الموانع.
السادسة: المنع منه إذا كان فيه وثن من أوثان الجاهلية ولو بعد زواله.