باب قول: اللهم اغفر لي إن شئت
(تم) : حقيقة التوحيد أن يوحد العبد ربه -جل وعلا- بتمام الذل والخضوع والمحبة، وأن يتضرع إلى الله -جل وعلا-، ويتذلل إليه بإظهار فقره التام إليه، وأن الله -جل وعلا- هو الغني عما سواه.
وقول القائل: (( اللهم اغفر لي إن شئت ) )يفهم منه أنه مستغن عن أن يغفر له، كما يأتي العزيز أو المتكبر من الناس فيقول لآخر لا يريد أن يتذلل له: (( افعل هذا إن شئت ) )يعني إن فعلت ذلك فحسن، وإن لم تفعل فلستُ بمُلِحٍّ عليك، ولستَ بذي إكرام، فهذا القول مناف لحاجة الذي قالها إلى الآخر.
ولهذا كان فيه عدم تحقيق للتوحيد، ومنافاة لما يجب على العبد في جناب ربوبية الله -جل وعلا- من أن يظهر فاقته وحاجته لربه، وأنه لا غنى به عن مغفرة الله ، وعن غنى الله ، وعن عفوه وكرمه وإفضاله ونعمه طرفة عين.
فقول القائل: (( اللهم اغفر لي إن شئت ) )كأنه يقول: لست محتاجا، إن شئت فاغفر، وإن لم تشأ فلست بمحتاج، وهذا فعل أهل التكبر، وأهل الإعراض عن الله -جل وعلا-؛ ولهذا حُرم هذا اللفظ، وهو أن يقول أحد: (( اللهم اغفر لي إن شئت ) ).
(ق) : قوله: (باب قول: اللهم اغفر لي إن شئت)
عقد المؤلف هذا الباب لما تضمنه هذا الحديث من كمال سلطان الله وكمال جوده وفضله، وذلك من صفات الكمال.
قوله: (اللهم) معناه: يا الله ، لكن لكثرة الاستعمال حذفت يا النداء وعوض عنها الميم، وجعل العوض في الآخر تيمناً بالابتداء بذكر الله .