قوله: (ثلاثة) . مبتدأ، وسوغ الابتداء بها أنها أفادت التقسيم.
قوله: (لا يكلمهم الله ) . التكليم: هو إسماع القول، وأما ما يقدره الإنسان في نفسه، فلا يسمي كلاما على سبيل الإطلاق، وإن كان يسمى قولا بالتقييد بالنفس، كقوله تعالى: { ويقولون في أنفسهم لو لا يعذبنا الله } (المجادلة:8) وقال عمر - رضي الله عنه - - في قصة السقيفة: (زورت في نفسي كلاما) (1) ، أي قدرته.
فالكلام عند الإطلاق لا يكون إلا بحرف وصوت مسموع.
واختلف الناس في كلام الله إلى ثمانية أقوال كما ذكره ابن القيم في (الصواعق المرسلة) .
لكن إذا رجعنا إلى كتاب الله وسنة رسوله، وأخذنا منها عقيدتنا صافية، وقطعنا النظر عن هذه المجادلات لأنه ما أوتى الجدل قوم إلا ضلوا، علمنا أن كلام الله حقيقي يسمع، ولكن الصوت ليس كأصوات المخلوقين، أما ما يسمع من كلام الله ، فلا شك أنه بحرف يفهمها المخاطب، إذ لو كان يتكلم بحروف لا تشبه الحروف التي يتكلم بها المخاطب لم يفهم كلامه أبدا، فالحروف التي تسمع هي حروف اللغة التي يخاطب الله بها من يخاطبه، والله - - عز وجل - يخاطب كل أحد بلغته.
ونفي الكلام هنا دليل على إثبات أصله، لأن لما نفاه عن قوم دل على ثبوته لغيرهم.
وبهذه الطريقة استدل بعض أهل العلم على إثبات رؤية الله يوم القيامة للمؤمنين بقوله تعالى: { كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون } (المطففين: 15) .فما حجب الفجار عن رؤيته إلا ورآه الأبرار، إذ لو امتنعت الرؤية مطلقا لكان الفجار والأبرار سواء فيها، كذلك هنا لو انتفى كلام الله - له - عز وجل - - عن كل أحد، فلا وجه للتخصيص بنفي الكلام عن هؤلاء.
(1) البخاري: كتاب الحدود /باب رجم الحبلى من الزنا إذا أحصنت، حديث (6830) .