ومن المتقرر عند كل عاقل أن سمع هذه الحيوانات ليس متماثلا، وأن بصرها ليس متماثلا، وأن سمع الحيوان ليس مماثلا لسمع الإنسان، فسمع الإنسان ربما كان أبلغ وأعظم من سمع كثير من الحيوانات، وكذلك البصر، فإذا كان كذلك كان اشتراك المخلوقات التي لها سمع وبصر في السمع والبصر، اشتراكاً في أصل المعنى، ولكل سمع وبصر بما قدر له، وما يناسب ذاته، فإذا كان كذلك، ولم يكن وجود السمع والبصر في الحيوان وفي الإنسان مقتضيا لتشبيه الحيوان بالإنسان، فكذلك إثبات السمع والبصر للملك الحي القيوم، ليس على وجه المماثلة للسمع والبصر في الإنسان، أو في المخلوقات. فلله -جل وعلا- سمع وبصر يليق به، كما أن للمخلوق سمع وبصراً يليق بذاته الحقيرة الوضيعة، فسمع الله كامل مطلق من جميع الوجوه لا يعتريه نقص، وبصره كذلك.
واسم الله (السميع) هو الذي استغرق كل الكمال في صفة السمع، وكذلك اسم الله (البصير) ، هو الذي استغرق كل الكمال في صفة البصر، فدل ذلك على أن النفي مقدم على الإثبات، والنفي يكون مجملا، والإثبات يكون مفصلا، فالواجب على العباد أن يعلموا أن الله -جلا جلاله- متصف بالأسماء الحسنى وبالصفات العلا، وألا يجحدوا شيئا من أسمائه وصفاته، فمن جحد شيئا من أسماء الله وصفاته، فهو كافر؛ لأن ذلك صنيع الكفار والمشركين.
والإيمان بالأسماء والصفات يقوي اليقين بالله، وهو سبب لمعرفة الله والعلم به، بل إن العلم بالله، ومعرفة الله -جل وعلا- تكون بمعرفة أسمائه وصفاته، وبمعرفة آثار الأسماء والصفات في ملكوت الله -جل وعلا- وهذا باب عظيم، ربما يأتي له زيادة إيضاح عند باب قول الله -تعالى-: { وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا } (الأعراف: من الآية180) .
فتلخص من هذا أن لقوله: (( باب من جحد شيئا من الأسماء والصفات ) ). صلة وطيدة بكتاب التوحيد من جهتين:
الجهة الأولى: أن من براهين توحيد العبادة، توحيد الأسماء والصفات.