كالعامد لما يكون بسببه، وعلى هذا ألزمناه الطلاق والعتاق والقصاص والحدود.
ولا يعترض على هذا بحديث حمزة وقوله - صلى الله عليه وسلم - (إنه ثمل) لما قال: هل أنتم إلا عبيد آبائي فانصرف [1] ، لأن الخمر لم تكن حينئذ محرمة فلم يكن في جنايتها إثم؛ وكان حكم ما يحدث منها معفوا عنه كما يحدث في النوم وشرب الدواء المأمون. اهـ [2]
قلت: فانظر إلى كلام القاضي عياض رحمه الله وحكايته الإجماع على قتل من سب النبي - صلى الله عليه وسلم - وإن قل ذلك منه.
وقوله رحمه الله أن الساب كافر وإن لم يقصد السب ولم يعتقد حله بقلبه وإن كان الذي دفعه إلى ذلك الجهل أو قلة المراقبة أو عدم ضبط اللسان أو التهور، وإن كل هذا لا يغني من الحكم على من تعاطى السب بالكفر والقتل ولا يصح له عذر إلا الإكراه بشروطه الصحيحة.
إذا تبين ذلك عُرف جناية من يعذرون الكفار بأعذار هي أوهى مما حكاه القاضي رحمه الله، وعُرف حينئذ الفرق بين هؤلاء العلماء الأجلاء أمثال القاضي عياض وبين أولئك المتعالمين الذين لا يصح انتسابهم إلى العلم وأهله بحال.
قال ابن تيمية رحمه الله: قال تعالى {ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون * لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين} ، وهذا نص في أن الاستهزاء بالله وآياته ورسوله كفر فالسب بطريق الأولى.
والآية دلت على أن كل من تنقص الرسول - صلى الله عليه وسلم - جادا أو هازلا كفر، وقد رُوي عن رجال من أهل العلم أنه قال رجل من المنافقين في غزوة تبوك: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطونا ولا أكذب ألسنا ولا أجبن عند اللقاء، يعني رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
(1) رواه البخاري ومسلم وأبو داود وأحمد.
(2) شرح الشفا، ج 2/ 428: 431.