تعالى {لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ... } [1] الآية قال رحمه الله:
قال السدي: نزلت في عبد الله بن عبد الله بن أبَيّ، جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فشرب النبي - صلى الله عليه وسلم - ماء فقال له: بالله يا رسول الله ما أبقيت من شرابك أسقيها أبي لعل الله يطهر بها قلبه؟ فأفضل له فأتاه بها، فقال له عبد الله: ما هذا؟ فقال: هي فضلة من شراب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جئتك بها تشربها، فقال أبوه: فهلا جئتني ببول أمك فإنه أطهر منه، فغضب وجاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: يا رسول الله: أما أذنت لي في قتل أبي؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم: (بل نرفق به ونحسن إليه) .
وقال ابن جريج: حُدثت أن أبا قحافة سب النبي - صلى الله عليه وسلم - فصكه أبو بكر صكة وقع بها على وجهه، ثم أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر له ذلك فقال: (أو فعلته، لا تعد إليه) ، فقال الصديق رضي الله عنه: والذي بعثك بالحق نبيا لو كان السيف مني قريبا لقتلته. اهـ [2]
ومن ذلك أيضا ما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى من حال الرجل الأعمى الذي قتل أم ولد له كانت تسب النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو أعمى فلم يصبر على ذلك حتى قتلها مع محبته لها.
ثم خلف من بعد هؤلاء خلفٌ قلت على الدين غيرتهم أو انعدمت فصاروا يسمعون سب النبي - صلى الله عليه وسلم - وشتمه وانتقاصه دون أن يحركوا لذلك ساكنا، بل وجد في زماننا هذا من يلتمس لمن يسب النبي - صلى الله عليه وسلم - أو ينتقصه المعاذير التي ما أنزل الله بها من سلطان، ويظنون أن ذلك من الورع ولا يدرون أنه ورع فاسد بل لا يسمى ورعا على الإطلاق؛ وإنما هي قلة غيرة على حرمات النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وقد وجد الزنادقة الذين كانوا يخفون بغضهم للنبي - صلى الله عليه وسلم - وشريعته سبيلا لإظهار ما في قلوبهم دون خوف من عقاب أو حد.
(1) سورة المجادلة، الآية: 22.
(2) تفسير القرطبي ج 17/ 229، ط دار الحديث.