بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون [1] .
وقال مجاهد: القلب كالكف يُقبض منه بكل ذنب أصبع ثم يُطبع اهـ [2] .
قلت: ومما سبق يتبين بوضوح أن هناك علاقة قوية بين ما في القلب من أقوال وأعمال واعتقادات، وبين ما يظهر على الجوارح من أقوال وأعمال كما هو مذهب أهل السنة والسلف، مخالفة لمن قال بغير ذلك من المرجئة وغيرهم.
ويصح أن يُحكم على ما في القلب من خلال الأعمال الظاهرة - فهي الأصل والعمدة في أحكام الدنيا وهي التي تُناط بها الأحكام - وهذا من باب الحكم بالدلالة والتبعية، وليس من باب القطع والاطلاع على ما في القلوب، وذلك كما ورد واضحا في كلام شيخ الإسلام ابن تيمية والشاطبي وغيرهما رحمهم الله أجمعين.
ومما ينبغي أن يُعلم أن إثبات العلاقة بين الظاهر والباطن لا يصح أن يكون داعيا إلى إيقاف الحكم على معرفة ما في القلب والضمير، إذ وكما ذكرنا من قبل - وسنقرر بتفصيل في المسألة القادمة - أن أحكام الدنيا لا تقوم إلا على ما يظهر من قول أو فعل فقط.
ولا يصح أن يُقابل الغلو من بعض الطوائف بتفريط من البعض الآخر، والواجب الوقوف مع الأدلة حيث وقفت.
فإثبات العلاقة بين الظاهر والباطن شيء، وإيقاف الحكم في الدنيا على معرفة ما في الباطن شئ آخر.
فالأول صحيح قال به أهل السنة والجماعة، والثاني هو من أقوال بعض الفرق الضالة، وهذا كله في الأقوال والأفعال الصريحة، أما ما كان من قبيل المحتملات فإنه لا بد للحكم بها على المكلفين من معرفة القصد والنية، وقد سبق الإشارة إلى ذلك في الباب الأول وسيأتي التنبيه عليه أيضا في الباب الخامس إن شاء الله تعالى،
(1) سورة المطففين، الآية: 14.
(2) تفسير القرطبي ج 1/ 188.