ولا يلزم من قال بالاستثناء أنه شك كما ادعت المرجئة، وكما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
وقد جوز بعض العلماء ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله الأمرين - الاستثناء وتركه - اعتبارا لمعان ستأتي إن شاء الله تعالى أثناء كلامهم، وذلك دون أن يوافقوا المرجئة في مذهبهم.
وقد عقد أبو بكر الخلال في كتابه السنة بابا قال فيه: الرد على المرجئة في الاستثناء في الإيمان، قال رحمه الله:
أخبرني محمد بن الحسن ابن هارون قال: سألت أبا عبد الله عن الاستثناء في الإيمان فقال: نعم الاستثناء على غير معنى الشك مخافة واحتياطا للعمل، وقد استثنى ابن مسعود وغيره وهو مذهب السلف.
قال الله عز وجل {لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين} [1] ، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم: (إني لأرجو أن أكون أتقاكم لله) [2] ، وقال في البقيع: (عليه نبعث إن شاء الله) .
وقال رحمه الله: أخبرني حرب بن إسماعيل قال: سمعت أحمد يقول في التسليم على أهل القبور أنه قال: (وإنا إن شاء الله بكم لاحقون) [3] ، قال: هذا حجة في الاستثناء في الإيمان، لأنه لابد من لحوقهم ليس فيه شك، وقال الله عز وجل {لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله} ، وهذه حجة أيضا لأنهم لابد داخلوه.
وقال: أخبرني حرب قال: سئل أحمد بن حنبل ما تقول في الاستثناء في الإيمان؟ قال: نحن نذهب إليه، قيل الرجل يقول: أنا مؤمن إن شاء الله؟ قال: نعم.
وساق بسنده إلى أبي عبد الله قال: سمعت يحيى بن سعيد القطان يقول: ما أدركت أحدا من أصحابنا ولا بلغنا إلا على الاستثناء، وفي رواية أخرى قال القطان: ما
(1) سورة الفتح، الآية: 27.
(2) رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها، ولأحمد قريب منه.
(3) رواه مسلم عن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه.