فهرس الكتاب
الصفحة 399 من 477

أيُّها المسلمون: وحمى الله بلاد الحرمين - فيما مضى- من عقاقيرُ هذه السياحةِ المُصدرة، فلم تُستبح حماها، ولم يعبث السُوَّاحُ الأجانبُ بأرضها، بقي مجتمعُها أصيلاً محافظاً لم يخترقهُ الآخرونَ بسلوكياتِهم المشينة، وأفكارِهم المُنحلة وأمراضهم الفتَّاكة، وبقيَ الأمنُ فيها مستتباً، والناسُ يُتخطفُونَ من حِولِنا، والسياحةُ والسُوَّاح سببٌ من أسبابِ هذا الخللِ الأمني.

ولكنَّا - عباد الله - بدأَنا نسمعُ مؤخراً عن دعواتٍ للسياحةِ في بلادِنا تستهدفُ العائلاتِ في المملكةِ والخليج، كما أُعلنَ في الصحفِ، وفيها إعلانٌ لحفلاتٍ غنائِيةِ، وتلميعٌ لنجومٍ وهمية، بل جاءَ في إحدى الصُحف الخبرُ التالي:

بعد النجاحِ الكبيرِ الذي خرجَ بهِ مهرجانُ صيفِ أبها العامَ الماضي الذي عدّهُ البعضُ أكبر تجمعٍ فنيّ غنائي عربي لنجوم الساحة الفنية، فقد أقرت اللجنةُ برامجَ حفلاتِ مهرجان صيفِ هذا العامِ الغنائيةِ الكبيرة، التي سيكُونُ للجمهورِ موعدٌ معها ومع كبار مُبدَّعي الأغنيةِ، في المنطقةِ الذين سَيصنعُونَ صيفاً ساخناً مليئاً بالفنِّ والطربِ والثقافةِ العامة، (عكاظ عدد 11940 في 20/1/1420هـ) .

أيُّها المسلمون:

ينبغي أن تتميزَ سياحتُنا عن سياحةِ الآخرين، وإذا نجحنَا في صرفِ الناسِ عن السفرِ للخارج، فذلك أمرٌ مرغوبٌ ومحمود، ولكن شريطةَ ألاَّ نقعَ في المحظورِ بأيِّ لونٍ من الألوان، فالحكُمُ الشرعيُّ في المُحرمِ واحد، وإن اختلفَ المكانُ أو الزمان.

ونحنُ في بلادِ الحرمينِ لنا خصوصيةٌ تُميزُنا عن غيرنا، فسلوكياتُِنا محلُ نظرٍ وتقديرِ العالم الإسلامي، وفينا قبلتُهم، وفي بلادِنا محيا ومبعثُ ومماتُ نبيهم، ومن أرضِنا انطلقت راياتُ الجهادِ وحملَ الفاتحونَ العِلمَ والحضارةَ الحقَّةِ للعالم، فكُنَّا بحقٍّ مصابيحُ الدُجى، ودعاةَ خيرٍ، وسطَّرنَا صحائفَ من ضياء، فما نسيَ الزمانُ ولا نسينا، وبلادُنا اليومَ مُؤهَلةً للقيادةِ من جديد، بإمكانَاتِها، وعُلمائِها، وموقعَ المُقدساتِ فيها، وسلامةَ الفكرِ، وصحةَ المعتقد فيها، وذلك في خضمِ حربِ الأفكارِ وصراعِ المعتقدات، ولئن عَجزنا أو قصَّرنا في حملِ ذلكَ للناسِ في دِيارِهم، فأقلَ الواجبِ أن نحفظَ هذا الكنْز الكبيرِ، ونحافظُ على هذا التاريخِ المجيدِ في بلادنا، حتى يتذكرهُ من وفدَ إلينا، وتبقى أرضُنا جُذوةً لإحياءِ المشاعرِ الإسلامية، لا أن نستبدلَ الذي هُو أدنى بالذي هو خير.

إنَّ بلادنا - والحمد لله - غنيةٌ بموارِدها الاقتصاديةِ الأخرى، وخيرٌ لنا أن نُنَميها ونزيدُ من فاعِليَّتِها، من أن نلجَ من بوابةِ السيَاحةِ الضيقةِ لدعمِ اقتصادنا، بل بإمكانِنَا أن نُجددَ في مفهومِ السياحةِ، ونقترحَ أنماطاً مشروعةً تستجلبُ الآخرينَ دُونَ أن تُأثرَ على دِينهم وأخلاقِهم.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام