فهرس الكتاب
الصفحة 396 من 477

إنَّ حياتك أيُّها المسلمُ والمسلمةُ دقائقُ معدودة، وأنفاسٌ محددة، ولستَ تدري ولا غيركَ يدري - إلاَّ الله - ماذا تكسبُ غداً، ولا بأيِّ أرضٍ تموت، وإذا حفظكَ اللهُ - مُعظمُ الوقتِ - وجاهدتَ نفسَكَ عن مُقارفةِ الخنا والفجورِ والفسوقِ، فمنَ الحماقةِ أن تُحطِمَ هذا السياجُ الواقي، وترغبُ عن هذا الأمانُ الإلهي فترةً من حياتك، وقد يُختَمُ لكَ بها، فتكونُ الحسرةُ والندامة، إذ حلت بكَ سُوءُ الخاتمةِ، وتعرضتَ لمقتِ اللهِ وغضبه، إذا استُخدمت نعمُ اللهِ في معصيته، وليسَ يليقُ بكَ أن تأكلَ من رزقهِ وتعيشَ في أرضهِ، ثم أنتَ تُجَاهِرُهُ بالمعاصي، وهُو يَرَاكَ وإن لم تره.

إخوةَ الإسلام: ومصطلحُ السياحةِ مصطلحٌ يترددُ كثيراً، ولكنَّ الحديثَ عنهُ يكثرُ مع قُربِ الإجازةِ الصيفية، ورُبَما استهوت دعواتُهُ، بعضُ الناسِ غافلينَ عن حقيقتهِ ومخاطِرِه، فما مفهُومهِ في زمننا، وما هِي مخاطِرُهُ؟ وما مفهومُ السياحةِ الأصيلُ في شرِيعتنا، وما سياحتُنا أهلُ الإسلام؟ وما هيَ خصائصُنا ومسؤولياتِنا في بلادِ الحرمين؟

ودعونَا نبدأُ الحديثَ عن أصلِ السياحةِ في الإسلام، وما المرادُ بالسائحينَ في كتابِ اللهِ وسنةِ رسولهِ - صلى الله عليه وسلم - لقد وردت السياحةُ في كتابِ اللهِ وسنةِ رسوله - صلى الله عليه وسلم - تحملُ معاني ساميةً، وارتبطَ وصفُ السائحينَ بنماذجَ عاليةٍ من البشر، يقولُ - تعالى -في وصفِ الذين اشترى اللهُ منهُم أنفسَهم وأموالهم بأنَّ لهُم الجنة: (( التَّائِبُونَ العَابِدُونَ الحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ المُنكَرِ وَالحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ المُؤْمِنِينَ ) ) (سورة التوبة: 112) .

وترددت عباراتُ العلماءِ في معنى السياحة، ومَنْ هُمُ السائحون؟ فقيلَ هُم الصائمون، واستدُلَ لهُ بقولهِ - تعالى -في وصفِ نساءِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - (( عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ) ) (سورة التحريم: 5) .

وبما وردَ في الحديثِ عن عائشةَ -رضي الله عنها- مرفوعاً: (( سِيَاحَةُ هَذهِ الأَمةُ الصِيَامُ ) ).

وقيل السائحونَ: هُم المُجَاهدون، واستدلَ لهُ بقولهِ - صلى الله عليه وسلم - -في الحديثِ الصحيح-: (( إِنَّ سِيَاحَةَ أُمَّتِي الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ ) ) (وهو في صحيح سنن أبي داود2/472) .

وقيل السائحون: المُهاجِرون، وقيل: هُم الذين يُسافرون بطلبِ الحديثِ والعلم، وقيل: هُمُ الجائلُون بأفكارِهم في توحيدِ ربهم وملكوتهِ، وما خلقَ من العبرِ والعلاماتِ الدالةِ على توحيدهِ وتعظيمه.

قال القُرطُبي- يرحمه الله - مرجحاً قلتُ: (س ي ح) يدلُ على صحةِ هذهِ الأقوال، فإنَّ السياحةَ أصلُها الذهابُ على وجهِ الأرضِ كما يسيحُ الماءُ، (الجامع لأحكام القرآن 8/270) .

أيُّها المؤمنون:

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام