فهرس الكتاب
الصفحة 227 من 477

فيا أيها الناس: إن ما مضى ذكره حول السياحة، بين المفهوم الصحيح والمفهوم الخاطيء وما أشرنا إليه من جهة التحريم والنهي، فإن المنع قد يُرفع عند الضرورة الملجئة، وللضرورة أحوالها. بَيْد أن هناك أمرا يجدر الإهتمام به وهو أن هذا المنع لا يدل من قريب ولا من بعيد على ألا يكون للمسلمين ما يسمى على لغة الكثيرين:"التنشيط السياحي."أو بعبارة أخرى أصح:"فرص إستغلال الأوقات،"لأجل أن يستغنوا عن السفر إلى بلاد الكفار أو ما يشابهها. وفي الوقت نفسه، لا يُفهم من هذه الدعوة أن يكون الحل في استجلاب ما عند غيرنا إلى أرضنا، فتكون الثمرة هي فحسب 'إستبدال المواقع!' فيكون حشفا وسوء كيل. بل ينبغي أن يكون الأمر أعظم وأجل. إنه مبني على كوننا مسلمين، نعمل ونسعى ونرتقي من خلال ما شرعه الله لنا. فإنشاء الدورات الصيفية والجمعيات الخيرية من تحفيظ للقرآن، أو تنشيط ثقافي نافع أو نحو ذلك مما يُستغل به أوقات الجمهور، وإن لزم الأمر فيُقتصر حينئذ على المباح، إذ ما بعد المباح إلا ما حرم الله، وماذا بعد الحق إلا الضلال؟ مع الحذر الحذر أن تُقلب المفاهيم وأن تكون صورة التنشيط السياحي مثالا ً للهو والعبث والضج والضجيج والعزف والطرب، وبذل الوقت والمال فيما حرم الله ورسوله. فكم من مظاهر عريضة مفتعلة لها ضجيج وطنين يَصْدع الأسماع والأبصار تمتد ألوانها إلى أوقات متأخرة ليلا ً، ولسان الحال يقول:

يا ليل هل لك من صباح *** أم هل لصبحك من براح

ضل الصباح طريقه *** والليل ضل عن الصباح

ثم ينجلي أمرها *** فإذا هي هشيم تذروه الرياح

وإذا كنا نرى السفر إلى بلاد الكفار داءً يجب علاجه، فإن الله، جل وعلا، لم يجعل شفاء أمة محمد، صلى الله عليه وسلم، فيما حرم عليها. وإن استئناس كثير من الغافلين بما حرم الله، لا يعني البتة التطلع إلى تنفيذ رغباتهم. والقاعدة الشرعية المقررة من خلال حديث النبي، صلى الله عليه وسلم، أن:"من أرضى الناس، بسَخَط الله، سَخِط الله عليه وأسخط عليه الناس. ومن أرضى الله بسخط الناس، رضي الله عنه، وأرضى الناس عنه."

ألا وإن بذل الأوقات في الغناء واللهو لمما حرم الله ورسوله. وكلما كانت المجاهرة به أظهر، كلما كان الخطر أشد والخَطْب أدهى وأمَر. وكل أمة محمد، صلى الله عليه وسلم، معافى إلا المجاهرين. عن سهل بن سعد، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال:"سيكون في آخر الزمان خسف وقذف ومسخ."قيل:"ومتى ذلك يا رسول الله؟"قال:"إذا ظهرت المعازف والقَيْنات،"رواه بن ماجه والطبراني. والقينات هم المغنون والمغنيات. بل إن الأمر سيذهب إلى أبعد من هذا، إلى أن يأتي أقوام فيستحلون المعازف والأغاني على شدة ما ألِفوها واستمرؤها وقَل النكير لها. فقال النبي، صلى الله عليه وسلم:"ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف،"ذكره البخاري في صحيحه.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام