فهرس الكتاب
الصفحة 92 من 335

ولو اجتمعوا عن آخرهم عن خلق ذباب واحد وهو من أضعف الحيوان وأحقره، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ(73) مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحج: 73 - 74] .

ثم إن خلق الله لهذه المخلوقات لم يكن لهواً أو عبثاً أو لعباً، تنزَّه الرب وتقدَّس عن ذلك، قال تعالى: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ(16) لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ (17) بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ) [الأنبياء: 16 - 18] ، وقال تعالى: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ(115) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ) [المؤمنون: 115 - 116] ، بل خلق سبحانه الخلق ليعرفوه ويعبدوه.

ودليل الأول قوله تعالى: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا) [الطلاق: 12] .

ودليل الثاني قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات: 56] .

وقد ضل أكثر الخلق في هذا الباب، فعرفوا أن الذي خلقهم هو الله وحده لا شريك له، وأنه وحده سبحانه تفرد بخلقهم وخلق السماء والأرض والجبال والأشجار وغيرها من المخلوقات، ومع هذا الإقرار صرفوا العبادة لغيره، وهذا هو معنى قوله تعالى: (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) [يوسف: 106] .

قال ابن عباس رضي الله عنهما:"من إيمانهم: إذا قيل لهم: من خلق السماء، ومن خلق الأرض، ومن خلق الجبال؛ قالوا: الله، وهم مشركون".

وقال عكرمة:"تسألهم من خلق السموات والأرض فيقولون: الله، فذاك إيمانهم بالله، وهم يعبدون غيره" (1) .

(1) انظر:"جامع البيان"لابن جرير (8/ 77 - 79) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام