لا بُخلاً منه عليهم، وخاطبهم بألطف خطاب وأحلاه، ونصحهم بأحسن النصائح، ووصاهم بأكمل الوصايا، وأمرهم بأشرف الخصال، ونهاهم عن أقبح الأقوال والأعمال، وصرف لهم الآيات وضرب لهم الأمثال، ووسع لهم طرق العلم به ومعرفته، وفتح لهم أبواب الهداية، وعرفهم الأسباب التي تدنيهم من رضاه وتُبعدهم عن غضبه، إلى غير ذلك من أنواع نعمه وصنوف مننه، القائل سبحانه: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا) [النحل: 18] ، والقائل جل شأنه: (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْ اللَّهِ) [النحل: 53] .
ومن أراد مطالعة أصول المنن فليدم سرح النظر في رياض القرآن الكريم، وليتأمل ما عدد الله فيه من نعمه العظيمة وعطاياه الكريمة، ومنه الجزيلة.
فقد ذكر سبحانه عباده بمنة الهداية لهذا الدين، والإخراج من ظلمات الشرك والكفر برب العالمين، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمْ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً) [النساء: 94] ، وقال تعالى: (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلْ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ) [الحجرات: 17] ، وقال تعالى: (وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ) [النور: 21] ، وقال تعالى: (وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمْ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمْ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمْ الرَّاشِدُونَ * فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) [الحجرات: 7 - 8] .
وذكر سبحانه بمنّة بعث الرسل عليهم الصلاة والسلام، وإكرامه هذه الأمة ببعث صفوة رسله وخير أنبيائه محمد صلى الله عليه وسلم: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) [النحل: 36] ، وقال تعالى: (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خلا فِيهَا نَذِيرٌ) [فاطر: 34] ، وقال تعالى: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [آل عمران: 124] .