فالمنزَّه عن النقائص الذي له الملك والتصرُّف والتدبير والعظمة في أسمائه وصفاته وأفعاله هو وحده المتكبِّر لا شريك له.
وأما العبد المخلوق فمقامه العبودية والخضوع والذلُّ والانكسار والركوع والسجود للكبير المتعال العظيم ذي الجلال، ولعل في هذا سراً من أسرار ذكر الله بالتكبير عند الخفض للركوع والخفض للسجود، وذكر كبريائه سبحانه وعظمته حال الركوع والسجود.
وأما - والعياذ بالله - إذا استكبر العبد ولا سيما عن الغاية التي أُوجد لأجلها وخلق لتحقيقها، وهي عبادة الله وإفراده وحده بالذل والخضوع والانكسار؛ فإن الله يعاقبه بأعظم العقاب، ويخزيه في الدنيا والآخرة.
وقد ذكر سبحانه في مواضع عديدة من كتابه العزيز أنواع العقوبات التي يُحلها بالمستكبرين، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) [غافر: 60] ، أي: صاغرين ذليلين، وقال تعالى: (أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ) [الزمر: 60] ، وقال تعالى: (قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) [الزمر: 72] ، وقال تعالى: (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [الأعراف: 36] ، وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ) [الأعراف: 40] .
وذكر سبحانه في كتابه العزيز نماذج من المستكبرين من الأشخاص والأمم، وبيَّن ما أحلَّ بهم في الدنيا من العقاب، وما أعد لهم في الآخرة من النكال، وذلك لتستبين سبيل المجرمين، وليكون في ذكر حالهم عظة للمتعظين، وعبرة للمعتبرين.
فذكر سبحانه إمام المستكبرين إبليس عدو الله وعدو دينه وعدو عباده المؤمنين، قال تعالى: (إِلاَّ إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ) [ص: 74] ، وذكر فرعون وتكبُّرَه على الحق هو وجنوده، قال تعالى: (وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ) [القصص: 39] .