فهرس الكتاب
الصفحة 24 من 335

ومن تأمل في سريان آثار الأسماء والصفات في الأمر والعالم هداه إلى الإيمان بكمال الرب سبحانه في أسمائه الحسنى وصفاته العليا وأفعاله الحميدة، وأنه سبحانه له في كل ما قضاه وقدَّره الحكمة البالغة والآياتُ الباهرة والتعرفات إلى عباده بأسمائه وصفاته، واستدعاءُ محبتهم له وذكرهم له وشكرِهم له وتعبدهم له بأسمائه الحسنى.

فكلُّ اسمٍ له تعبد مختص به- علماً ومعرفة وحالاً- ولا يتحقق شيء من هذا إلا بمثل هذا النظر والتدبر النافع في كل اسم وما يقتضيه، وأكمل الناس عبودية المتعبد بجميع الأسماء والصفات التي يطلع عليها البشر، فلا تحجبه عبوديةُ اسم عن عبودية اسم آخر، كمن يحجبه التعبد باسمه القدير عن التعبد باسمه الحليم الرحيم، أو يحجبه عبودية اسمه المعطي عن عبودية اسمه المانع، أو التعبُّد بأسماء التودد والبر واللطف والإحسان عن أسماء العدل والجبروت والعظمة والكبرياء ونحو ذلك.

وهذه طريقة الكُمَّل من السائرين إلى الله، وهي طريقة مشتقَّة من القرآن الكريم، قال الله تعالى: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) [الأعراف: 180] ، والدعاء بها يتناول دعاء المسألة ودعاء الثناء ودعاء التعبد، وهو سبحانه يدعو عباده إلى أن يعرفوه بأسمائه وصفاته، ويثنوا عليه بها ويأخذوا بحظهم من عبوديتها (1) ، وهو جل وعلا يحبّ أسماءه وصفاته ويحب ظهور آثارها في خلقه، فإن ذلك من لوازم كماله، وفتح سبحانه لعباده أبواب معرفته والتبصر بأسمائه وصفاته، فدعا عباده في القرآن إلى معرفته من طريقين:

أحدهما: النظر في مفعولاته؛ فإنها أدلُّ شيء على أسمائه وصفاته.

والثاني: التفكر في آياته وتدبرها.

الأول تفكرٌ في آياته المشهودة، والثاني تدبُّر لآياته المتلوَّة، وكلٌّ منهما بابٌ واسعٌ في معرفة الربِّ المجيد والإله الحميد، فسبحان من تعرَّف إلى خلقه بجميع أنواع

(1) انظر:"مدارج السالكين"لابن القيم (1/ 449 - 453) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام