فهرس الكتاب
الصفحة 12 من 335

المؤمنين، وانجابت سحائب الشك والريب عنها كما ينجاب السحاب عن القمر ليلة إبداره، ولم يَدَع لأمَّته حاجة في هذا التعريف لا إلى من قبله ولا إلى من بعده، بل كفاهم وشفاهم وأغناهم عن كل من تكلم في هذا الباب (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [العنكبوت: 51] " (1) ."

كيف لا وهو القائل عليه الصلاة والسلام:"قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها بعدي إلاَّ هالك"رواه أحمد وابن ماجه (2) ، والقائل صلى الله عليه وسلم:"ما بعث الله من نبي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينهاهم عن شر ما يعلمه لهم"رواه مسلم (3) ، وقال أبو ذر رضي الله عنه:"تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما طائر يُقلِّب جناحيه في الهواء إلا وهو يذكر منه علماً. قال: فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ما بقي شيءٌ يقرِّبُ من الجنة ويباعد من النار إلا وقد بُيِّن لكم"رواه الطبراني في المعجم الكبير (4) .

فمن المحال أن يكون عليه الصلاة والسلام قد علَّم الأمَّة آداب قضاء الحاجة وآداب الطعام والشراب والدخول والخروج وبتفصيل وافٍ وتركهم دون أن يعلِّمهم ما يقولونه بألسنتهم ويعتقدونه بقلوبهم في ربهم ومعبودهم الذي معرفته غاية المعارف، والوصول إليه أجل المطالب وأفضل المواهب، وكيف لا يكون بيَّنه والحاجة إليه فوق الحاجات كلها، فإنه لا سعادة للناس ولا فلاح ولا صلاح ولا نعيم ولا راحة إلاَّ بأن يعرفوا ربَّهم ومعبودهم ويعبدوه، ويكون هو وحده غاية مطلوبهم ونهاية مرادهم، وذكرُه والتقرُّب إليه قرة عيونهم وحياة قلوبهم، فمتى فقدوا ذلك كانوا أسوأ حالاً من الأنعام بكثير، كما قال الله تعالى: (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا) [الفرقان: 44] .

(1) "جلاء الأفهام" (ص/285 - 286) .

(2) "المسند" (4/ 126) ، و"سنن ابن ماجه" (رقم: 43) وغيرهما من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه، وإسناده صحيح، وانظر:"السلسلة الصحيحة" (937) .

(3) في"صحيحه" (رقم: 1844) .

(4) (2/ 155) بإسناد صحيح، وانظر:"السلسلة الصحيحة" (1803) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام