وقد كان إمام الدعوة -رحمه الله - مستحضراً لهذا الدليل الذي يحتج به المشركون من هذه الأمة، من أهل عصره وغيرهم، على نفي عبادة هذه الأمة للأوثان وعدم وقوع الشرك منهم فأراد (رحمه الله ) التنبيه على بطلان الاستدلال بذلك الدليل على ما ادعوه، بل هو لا يدل على قولهم، إذ قد عرفنا معناه وتفسيره فيما تقدم والأدلة جاءت مصرحة أن بعض هذه الأمة يعبد الأوثان وهذا مما يصحح معنى ما أشرنا إليه من كون الشيطان قد يأس من أن يعبده المصلون في جزيرة العرب؟.
وقول الإمام (رحمه الله ) : (( باب ما جاء أن بعض هذه الأمة يعبد الأوثان ) )، معناه: أن عبادة الأوثان واقعة في هذه الأمة بنص قول النبي -عليه الصلاة والسلام- كما وقعت في الأمم السالفة. فهذه الأمة ستقع فيها عبادة غير الله -- سبحانه وتعالى -- أيضاً.
وقوله: (( باب ما جاء ) )يعني من النصوص في الكتاب وفي السنة.
وقوله: (( أن بعض هذه الأمة ) )نص على وقوع ذلك من بعضهم، لا من كلهم، لأن عبادة الأوثان لم تكن من الأمة كلها وإنما كانت من بعض هذه الأمة، وإلا فلا تزال طائفة من هذه الأمة ظاهرين على الحق كما قال عليه الصلاة والسلام: (( ولا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم إلى قيام الساعة ) ).
والمقصود بـ (( بعض هذه الأمة ) ): ذلك بعض المرذول، فنفهم من هذا أن هناك من الأمة من يقوم بالاستمساك بالأمر الأول الذي كان عليه الرسول - صلى الله عليه وسلم - وكان عليه صحابته، في أمر التوحيد وأمر العبادة والسنن. لكن هل المقصود بقوله: (( هذه الأمة ) ): أمة الدعوة أو أمة الإجابة؟.
إذا قلنا: أمة الدعوة، فلا شك أن هناك من أمة الدعوة، وهم جميع، الجن والإنس من عبد الأوثان، واستمر على عبادتها بعد بعثة النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يرض ببعثته، ولم يقبل ذلك.