فهرس الكتاب
الصفحة 624 من 1408

والجواب: أن هذا الاحتجاج في غير موضعه، وفهم ذلك الدليل وذلك الحديث ليس على ذلك النحو، وجواب ما قالوا من أن قوله -عليه الصلاة والسلام-: (إن الشيطان أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب) هو أن نقول: أن الشيطان لا يعلم الغيب، وهو حريص على إغواء بني آدم كما قال تعالى: { لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلاً } (الإسراء: من الآية62) هو أيس، ولكن لم يأيسه الله -جل وعلا- فالشيطان أيس بنفسه لما رأى عز الإسلام، ولما رأى ظهور التوحيد على الكفر في جزيرة العرب، فأيس لما رأى ذلك، ولكنه لم يأيسه الله -جل وعلا- من أن يعبد في جزيرة العرب، ثم إن في قوله: (أيس أن يعبده المصلون) إشارة إلى أن أهل الصلاة هم الذين لا تتأتى منهم عبادة الشيطان لأن المصلين لا شك أنهم آمرون بالمعروف ناهون عن المنكر؛ لأن المصلى هو الذي أقام الصلاة، ومن أقام الصلاة فإن الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر، وأعظم المنكر الذي سينكره المصلى هو الشرك بالله -جل وعلا- فيكون الشيطان بذلك قد يأس أن يعبده من أقام الصلاة على حقيقتها، كما أراد الله -جل وعلا-.

فليس في هذا الحديث إذاً أن عبادة الشيطان لا تكون في هذه الأمة، بل فيه أن الشيطان أيس لما رأى عز الإسلام، ولكنه لم يُأيَّس، ولهذا فإن طائفة من العرب ارتدوا عن الاسلام بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بقليل، ولا شك أن ذلك الارتداد كان من عبادة الشيطان؛ لأن عبادة الشيطان تكون - أيضاً- بطاعته كما قال -جل وعلا-: { أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ } (يّس: 60) ، وعبادة الشيطان كما في تفسير الآية بطاعته في الأمر والنهي، وطاعته في الشرك، وطاعته في ترك الإيمان، وترك لوازمه.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام